[ ص: 106 ] وابتدئت قصتهم بالتنبيه على قلة عقولهم وخفة حلومهم من حيث إن محط حالهم أنهم يخادعون من لا يجوز عليه الخداع ، وأن الذي حملهم على ذلك أنهم ليس لهم نوع شعور ولا شيء من إدراك بقوله تعالى - جوابا لسؤال من كأنه قال : فما قصدهم بإظهار الإيمان والإخبار عن أنفسهم بغير ما هي متصفة به مع معرفتهم بقبح الكذب وشناعته وفظاعته وبشاعته ؟ يخادعون الله أي يبالغون في معاملته هذه المعاملة بإبطان غير ما يظهرون مع ما له من الإحاطة بكل شيء ، والخداع أصله الإخفاء والمفاعلة في أصلها للمبالغة لأن الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده والذين آمنوا أي يعاملونهم تلك المعاملة ، وأمره تعالى بإجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا صورته صورة الخداع وكذا امتثال المؤمنين أمره تعالى فيهم . قال [ ص: 107 ] : وجاء بصيغة المفاعلة لمكان إحاطة علم الله بخداعهم ولم يقرأ غيره ولا ينبغي ، والخداع إظهار خير يتوسل به إلى إبطان شر يؤول إليه أمر ذلك الخير المظهر . انتهى . الحرالي
وما يخدعون أي بما يغرون به المؤمنين إلا أنفسهم يعني أن عقولهم لخباثتها إنما تسمى نفوسا ، والنفس قال ما به ينفس المرء على غيره استبدادا منه واكتفاء بموجود نفاسته على من سواه . انتهى . وقراءة الحذف هذه لا تنافي قراءة " يخادعون " ؛ لأن المطلق لا يخالف المقيد بالمبالغة ، وعبر هنا بصيغة المفاعلة لشعورهم كما قال الحرالي بفساد [ ص: 108 ] أحوالهم في بعض الأوقات ومن بعض الأشخاص وبصيغة المجرد لعمههم عن فساد أحوالهم في أكثر أوقاتهم وعمه عامتهم ولا يكون من الله سبحانه إلا بلفظ الخدع لأنهم لا يعلمون ما يخفى عنهم من أمره ، ولذلك جاء في آية النساء الحرالي يخادعون الله وهو خادعهم انتهى .
وما يشعرون أي نوع شعور ؛ لإفراط جهلهم بأنهم لا يضرون غير أنفسهم لأن الله يعلم سرهم كما يعلم جهرهم ، وحذف متعلق الشعور للتعميم ، والشعور كما قال أول الإحساس بالعلم ، كأنه مبدأ إنباته قبل أن تكمل صورته تتميز . وانتهى . الحرالي