ولما دحض بهذه الحجة جميع ما أقاموه من الشبه؛ وضربوه من الأمثال فيما ارتكبوه من قولهم: إن الملك لا يتوصل إليه إلا [ ص: 214 ] بأعوان؛ من حاجب؛ ونائب؛ ونحو ذلك؛ ولا يتوصل إليه إلا بأنواع القربان؛ فعبدوا الأصنام؛ وفعلوا لها ما يفعل له؛ تشبيها به - عز شأنه؛ وتعالى سلطانه -؛ لأن الفارق أن ملوك الدنيا المقيس عليهم؛ إنما أقاموا من ذكر لحاجتهم؛ وضعف ملكهم؛ وملكهم؛ فحالهم مخالف لوصف من لا تأخذه سنة ولا نوم؛ ولا يشغله شأن عن شأن؛ وكل شيء في قبضته؛ وتحت قهره؛ وعظمته؛ فلذلك تسبب عنها قوله (تعالى): فلا تضربوا لله ؛ أي: الذي له الإحاطة الكاملة؛ الأمثال ؛ أي: فتشبهوه؛ تشبيها بغيره؛ وإن ضرب لكم هو الأمثال; قال أبو حيان؛ وغيره: قال - رضي الله عنهما -: أي: لا تشبهوه بخلقه؛ انتهى. وهو - كما قال في "الكشاف" - تمثيل للإشراك بالله؛ والتشبيه به؛ لأن من يضرب الأمثال مشبه حالا بحال؛ وقصة بقصة؛ انتهى؛ وهذا النهي عام في كل مثل؛ لخطر الأمر؛ خشية أن يكون ذلك المثل غير لائق بمقداره؛ وقد تقرر أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح؛ لا سيما في هذا؛ لأن الخطأ فيه كفر؛ ويدل على ذلك تعليل الحكم بقوله (تعالى): ابن عباس إن الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ ولا أمر لغيره؛ يعلم [ ص: 215 ] أي: له جميع صفة العلم؛ فإذا ضرب مثلا أتقنه بإحاطة علمه؛ بحيث لا يقدر غيره أن يبدي فارقا ما بين الممثل والممثل به؛ في الأمر الممثل له؛ وأنتم لا تعلمون ؛ أي: ليس لكم علم أصلا؛ فلذلك تعمون عن الشمس؛ وتلبس عليكم ما ليس فيه لبس؛ وهذا المقام عال؛ ومسلكه وعر؛ وسالكه على غاية من الخطر.