ولما ذكر الذين لا يؤمنون مطلقا؛ أتبعهم صنفا منهم هم أشدهم كفرا؛ فقال (تعالى): من ؛ أي: أي مخلوق وقع له أنه كفر بالله ؛ أي: الذي له صفات الكمال؛ بأن قال؛ أو عمل ما يدل على الكفر؛ ولما كان الكفر كله ضارا؛ وإن قصر زمنه؛ أثبت الجار؛ فقال (تعالى): من بعد إيمانه ؛ بالفعل؛ أو بالقوة؛ لما قام على الإيمان من الأدلة التي أوصلته إلى حد لا يلبس؛ فصار استكباره عن الإيمان ارتدادا عنه؛ وجواب الشرط دل ما قبله؛ وما بعده؛ على أنه: "فهو الكاذب"؛ أو "فعليه غضب من الله"؛ إلا من أكره ؛ أي: وقع إكراهه على قول كلمة الكفر؛ وقلبه ؛ أي: والحال أن قلبه؛ مطمئن بالإيمان ؛ فلا شيء عليه؛ وأجمعوا - مع إباحة ذلك له - أنه لا يجب عليه التكلم بالكفر؛ بل إن ثبت كان ذلك أرفع درجة؛ والآية نزلت في - رضي الله عنه - [ ص: 259 ] أكرهوه؛ فتابعهم؛ وهو كاره؛ فأخبر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بأنه كفر؛ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: عمار بن ياسر "كلا؛ إن مليء إيمانا؛ من قرنه إلى قدمه؛ واختلط الإيمان بلحمه؛ ودمه"؛ فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبكي؛ فجعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يمسح عينيه؛ ويقول: "إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت"؛ عمارا ولكن من شرح ؛ أي: فتح فتحا صار يشرح به بالكفر صدرا ؛ أي: منه؛ أو من غيره بالتسبب فيه؛ لأن حقيقة الإيمان؛ والكفر؛ تتعلق بالقلب؛ دون اللسان؛ وإنما اللسان معبر؛ وترجمان؛ معرف بما في القلب؛ لتوقع الأحكام الظاهرة؛ فعليهم ؛ لرضاهم به؛ غضب ؛ أي غضب; ثم بين جهة عظمه؛ بكونه من الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ ولهم ؛ أي: بظواهرهم؛ وبواطنهم؛ عذاب عظيم ؛ لارتدادهم على أعقابهم.