فإذا جاء وعد أولاهما ؛ [ ص: 306 ] أي: وقته؛ الذي حددناه له؛ للانتقام فيه؛ بعثنا ؛ أي: بعظمتنا; ونبه على أنهم أعداء؛ بقوله: عليكم ؛ ونبه على عظمته؛ وقدرته؛ وسعة ملكه؛ بقوله (تعالى): عبادا لنا ؛ أي: لا يدان لكم بهم؛ لما وهبنا لهم من عظمتنا؛ أولي بأس ؛ أي: عذاب؛ وشدة في الحرب شديدة؛ شديد فجاسوا ؛ أي: ترددوا؛ مع الظلم؛ والعسف؛ وشديد السطوة; و"الجوس": طلب الشيء باستقصاء؛ خلال ؛ أي: بين؛ الديار ؛ الملزوم لقهر أهلها؛ وسفولهم بعد ذلك العلو الكبير; و"الخلال": انفراج ما بين الشيئين وأكثر؛ لضرب من الوهن؛ وكان ؛ أي: ذلك البعث؛ ووعد العقاب به؛ وعدا مفعولا ؛ أي: لا شك في وقوعه؛ ولا بد أن يفعل؛ لأنه لا حائل بيننا؛ وبينه؛ ولا يبدل القول إلا عاجز أو جاهل.
عن - رضي الله عنهما - أنهم ابن عباس جالوت؛ وجنوده; وعن أنهم سعيد بن المسيب بختنصر؛ وجنوده; وعن العمالقة; وعن الحسن: سعيد بن جبير: سنجاريب؛ وجنوده; قال في السفر الخامس من التوراة [ ص: 307 ] - إشارة إلى هذه المرة الأولى؛ والله أعلم -: (وإن أنتم لم تسمعوا قول الله ربكم؛ ولم تحفظوا؛ ولم تعملوا بجميع سننه التي آمركم بها اليوم؛ ينزل بكم هذا اللعن الذي أقص عليكم؛ كله؛ ويدركم العقاب؛ وتكونوا ملعونين في القرية؛ والسفر؛ وفي الحضر؛ ويلعن نسلكم وثمار أرضكم؛ وتكونوا ملعونين إذا دخلتم؛ وملعونين إذا خرجتم؛ ينزل بكم الرب البلاء والحشرات؛ وينزل بكم الضربات الشديدة؛ وبكل شيء تمدون أيديكم إليه لتعملوه؛ حتى يهلككم؛ ويتلفكم سريعا؛ من أجل سوء أعمالكم؛ وترككم لعبادتي؛ يسلط الله عليكم الموت؛ فيهلككم من الأرض التي تدخلونها لترثوها؛ يضربكم الله بحيران العقل؛ والبهق؛ والبرص؛ وبالحريق باشتمال النار؛ وباليرقان؛ والجرب؛ والسموم؛ ويسلط عليكم هذه الشعوب حتى تهلكوا؛ وتكون السماء التي فوقكم عليكم شبه النحاس؛ والأرض التي تحتكم شبه الحديد؛ ويصير الرب مطر أرضكم غبارا؛ ويكسركم الرب بين يدي أعدائكم؛ تخرجون إليهم في طريق واحدة؛ وتهربون في سبعة طرق؛ وتكونون مثلا؛ وفزعا لجميع مملكات الأرض؛ [ ص: 308 ] وتكون جيفكم طعاما لجميع السباع؛ وطيور السماء؛ ولا يذب أحد عنكم؛ ويضربكم الرب بالجراحات التي ضرب بها أهل مصر؛ ويبليكم بالبرص؛ والزحير؛ وبالحكة؛ ولا يكون لكم شفاء من ذلك؛ ويضربكم الرب بالعمى؛ والكمه؛ ورعب القلب؛ وتكونون تجسسون في الظهيرة مثل ما يتجسس العميان؛ ولا يتم شيء مما تعملون؛ ولا يكون له تمام؛ وتكونون مقهورين؛ مظلومين؛ مغصوبين؛ كل أيام حياتكم؛ ولا يكون لكم منقذ؛ تخطبون المرأة فيتزوجها غيركم؛ وتبنون بيتا ويسكنه غيركم؛ وتغرسون كروما ولا تعصرون منها؛ وتذبحون ثيرانكم بين أيديكم ولا تأكلون منها شيئا؛ ويؤخذ حمارك ظلما ولا تقدر أن تخلصه؛ ويسوق العدو أغنامكم ولا يكون لكم منقذ؛ ويسبي بنيك وبناتك شعب آخر؛ وتنظر إليهم ولا تقدر لهم على خلاص؛ وتشقى؛ وتغتم نهارك كله أجمع؛ ولا يكون لك حيلة؛ وثمار أرضك وكل كدك يأكله شعب لا تعرفه؛ وتكون مضطهدا مظلوما طول عمرك؛ [ ص: 309 ] ويضربك الرب بجرح رديء على ركبتيك وساقيك؛ ولا يكون لك؛ ويسلط عليك الجراحات من قرنك إلى قدمك؛ ويسوقك الرب؛ ويسوق ملكك الذي ملكته عليك إلى شعب لم يعرفه أبوك؛ وتعبد هناك آلهة عملت من خشب وحجارة؛ وتكون مثلا وعجبا؛ ويفكر فيك كل من يسمع خبرك؛ ثم قال: ويولد لك بنون وبنات ولا يكونون لك؛ بل يسبون؛ وينطلق بهم مسبيين).
ثم قال: (ويسلط الرب عليك شعبا يأتيك وأنت جائع ظمآن؛ وتخدم أعداءك الذين يسلطهم الله عليك من بعيد؛ من أقصى الأرض؛ ويسرع إليك مثل طيران النسر شعب لا تعرف لغتهم؛ شعب وجوههم صفيقة؛ لا تستحيي من الشيوخ؛ ولا ترحم الصبيان؛ ويضيق عليك في جميع قراك حتى يظفر بسوراتك المشيدة التي تتوكل عليها؛ وتثق بها؛ وتضطر حتى تأكل لحم ولدك من الحاجة والضيق الذي يضيق عليك عدوك؛ والرجل المدلل منكم المتلذذ المفيق؛ تنظر عيناه إلى أخيه؛ وحليلته؛ وإلى من بقي من ولده؛ جائعا؛ ولا يعطيهم من لحم ابنه الذي يأكل؛ لأنه لا يبقى عنده شيء من الاضطهاد [ ص: 310 ] والضيق الذي يضيق عليك عدوك في كل قراك؛ والمرأة المخدرة المدللة المفيقة التي لم تطإ الأرض قدماها من الدلال تنظر عيناها إلى زوجها؛ وإلى ابنها؛ وبنتها؛ وإلى ولدها الذي تلد؛ وهي تأكلهم؛ وذلك من الحاجة؛ والفقر؛ وعدم الطعام؛ مما يضيق عليك عدوك ويضطهدك في جميع قراك).