واخفض لهما ؛ ولما كان الطائر يخفض جناحه عند الذل؛ استعار لتعطفه عليهما؛ رعيا لحقوقهما؛ قوله (تعالى): جناح الذل ؛ أي: جناح ذلك؛ وبين المراد بقوله (تعالى): من الرحمة ؛ أي: لا من أجل امتثال الأمر؛ وخوف العار فقط؛ بل من أجل الرحمة لهما؛ بألا تزال تذكر نفسك بالأوامر؛ والنواهي؛ وما تقدم لهما من الإحسان إليك؛ فصارا مفتقرين إليك؛ وقد كنت أفقر خلق الله إليهما؛ حتى يصير ذلك خلقا لازما لك؛ فإن النفس لأمارة بالسوء؛ وإن لم تقد إلى الخير بأنواع الإرغاب؛ والإرهاب؛ والإمعان في النظر في حقائق الأمور؛ وعجائب المقدور؛ ولذلك أتبعه قوله (تعالى) - آمرا بألا يكتفي برحمته التي لا بقاء لها؛ فإن ذلك لا يكافئ حقهما؛ بل يطلب لهما الرحمة الباقية -: وقل ربي ؛ أي: أيها المحسن إلي بعطفهما علي؛ حتى ربياني؛ وكانا يقدمانني على أنفسهما؛ ارحمهما ؛ بكرمك؛ برحمتك الباقية؛ وجودك؛ كما رحمتهما أنا برحمتي القاصرة؛ مع بخلي؛ وما في من طبع اللوم؛ كما ربياني برحمتهما لي؛ صغيرا ؛ وهذا مخصوص [ ص: 404 ] بالمسلمين؛ بآية: ما كان للنبي ؛ لا منسوخ؛ ولقد أبلغ - سبحانه - في الإيصاء بهما؛ حيث بدأه بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده؛ ونظمه في سلكه؛ وختمه بالتضرع في نجاتهما؛ جزاء على فعلهما؛ وشكرا لهما؛ وضيق الأمر في مراعاتهما؛ حتى لم يرخص في أدنى شيء من امتهانهما؛ مع موجبات الضجر؛ ومع أحوال لا يكاد يدخل الصبر إليها في حد الاستطاعة؛ إلا بتدريب كبير.