ولما كان المراد أن من اتصف بهذا الوصف؛ ولو زمنا يسيرا نفعه؛ أدخل الجار؛ فقال - مرغبا في العلم ليحمل على الإيمان بالقرآن -: من قبله ؛ أي: قبل إنزاله ممن آمن من بني إسرائيل؛ [ ص: 534 ] الذين أمرني الله بسؤالهم؛ تسميعا لكم؛ وتثبيتا لكونكم أقبلتم عليهم بالسؤال؛ وجعلتموهم محط الوثوق؛ إذا يتلى ؛ أي: من أي تال كان؛ عليهم ؛ في وقت من الأوقات؛ ينقلهم من حال إلى حال؛ فيرقيهم في مدارج القرب؛ ومعارج الكمال؛ إلى أعلى الرتب؛ بأنهم يخرون ؛ أي: يسقطون بسرعة; وأكد السرعة؛ وأفاد الاختصاص؛ بقوله (تعالى): للأذقان ؛ باللام؛ دون "إلى"؛ أو "على"؛ دالا بالأذقان على أنهم من شدة ما يحصل لهم من الخشوع يسقطون سقوط من ليس له اختيار؛ وأول ما يلاقي الأرض ممن يسقط كذلك ذقنه؛ وهو مجتمع اللحيين؛ من منبت لحيته؛ فإن الإنسان مجبول بالطبع على صيانة وجهه؛ فهو يرفع رأسه فتصير ذقنه وفمه أقرب ما في وجهه إلى الأرض حال السقوط؛ ولهذا قال شاعرهم:
................... ... فخر صريعا لليدين وللفم.
ثم بين أن ذلك ليس سقوطا اضطراريا من كل جهة؛ بقوله (تعالى): سجدا ؛ أي: يفعلون ذلك لما يعلمون من حقيته؛ بما أوتوا من العلم السالف؛ وما في قلوبهم من الإذعان؛ والخشية للرحمن؛