ولما كان إخفاء هذه الآيات عن البعض بعد بيانها أعجب من ابتداء نصبها، فكان السياق ظاهرا في أن التقدير: والله يضل من يشاء فيكفرون بالآيات والذكر الحكيم، وكان الخروج من نورها بعد التلبس بها إلى الظلام أشد غرابة، عطف على ما قدرته مما دل عليه السياق أتم دلالة قوله دليلا شهوديا على ذلك المطوي، معجبا ممن عمي عن دلائل التوحيد التي أقامها تعالى وعددها وأوضحها بحيث صارت كما ذكر تعالى أعظم من نور الشمس: ويقولون أي الذين ظهر لهم نور الله، بألسنتهم فقط: آمنا بالله الذي أوضح لنا جلاله، وعظمته وكماله وبالرسول الذي علمنا كمال رسالته وعمومها بما أقام عليها من الأدلة وأطعنا أي أوجدنا الطاعة لله وللرسول، وعظم المخالفة بين الفعل والقول بأداة البعد فقال: ثم يتولى أي يرتد بإنكار القلب ويعرض عن طاعة الله ورسوله، ضلالا منهم عن الحق فريق منهم [ ص: 296 ] أي ناس يقصدون الفرقة من هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة.
ولما كان ينبغي أن يكون وقوع الارتداد منهم - كما أشير إليه - في غاية البعد وإن كان في أقل زمن، أشار إليه بأداة التراخي، وأكد ذلك بقوله مثبتا الجار : من بعد ذلك أي القول السديد الشديد المؤكد، مع الله الذي هو أكبر من كل شيء، ومع رسوله الذي هو أشرف الخلائق وما أولئك أي البعداء البغضاء الذين صاروا بتوليهم في محل البعد بالمؤمنين أي بالكاملين في الإيمان قولا وعقدا، وإنما هم من أهل الوصف اللساني، المجرد عن المعنى الإيقاني.