ولما كان قد قدم في تلك أنه عم برسالته جميع الخلائق ، وختم بالإنذار على تكذيبهم في تخلفهم ، مع إزاحة جميع العلل ، نفى كل خلل ، وكان ذلك مما يقتضي كما هو من مضمون ، شدة أسفه صلى الله عليه وسلم على المتخلفين إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا على ما تقدم ، وذلك لما عنده صلى الله عليه سلم من مزيد الشفقة ، وعظيم الرحمة ، قال تعالى يسليه ، ويزيل من أسفه ويعزيه ، على سبيل الاستئناف ، مشيرا إلى أنه لا نقص في إنذاره ولا في كتابه الذي ينذر به يكون سببا لوقوفهم عن الإيمان. وإنما السبب في ذلك محض إرادة الله تعالى : لعلك باخع نفسك أي : مهلكها غما ، وقاتلها أسفا ، من بخع الشاة [ ص: 7 ] إذا بالغ في ذبحها حتى قطع البخاع ، بكسر الموحدة ، وهو عرق باطن في الصلب وفي القفا ، وذلك أقصى حد الذابح ، [وهو] غير النخاع بتثليث النون فإنه الخيط الأبيض في جوف الفقار ، " أن " أي : لأجل أن " لا يكونوا " [أي : كونا كأنه جبلة لهم] مؤمنين أي : راسخين في الإيمان ، فكان كأنه قيل : هذا الكتاب في غاية البيان في نفسه والإبانة للغير ، وقد تقدم في غير موضع أنه ليس عليك إلا البلاغ ، أتخاف وتشفق على نفسك من الهلاك غما وتأسفا على عدم إيمانهم والحال أنا لو شئنا لهديناهم طوعا أو كرها ، والظاهر أن جملة الإشفاق في موضع حال من اسم الإشارة كما أن الآية التي بعدها في موضع الحال منها ، أي : نحن نشير إلى الآيات المبينة لمرادنا فيهم والحال أنك -لمزيد حرصك على نفعهم- بحال يشفق فيها عليك من لا يعلم الغيب من أن تقتل نفسك غما لإبائهم الإيمان والحال أنا لو شئنا أتيناهم بما يقهرهم ويذلهم للإيمان وغيره.