إن هؤلاء إشارة بأداة القرب تحقيرا لهم إلى أنهم في القبضة وإن بعدوا ، لما بهم من العجز ، وبآل فرعون من القوة ، فليسوا بحيث يخاف قوتهم ولا ممانعتهم ، لشرذمة أي : طائفة وقطعة من الناس.
ولما كانت قلتهم إنما هي بالنسبة إلى [كثرة] آل فرعون وقوتهم وما لهم عليهم من هيبة الاستعباد ، وكان التعبير بالشرذمة موهما لأنهم في غاية القلة ، أزال هذا الوهم بالتعبير بالجمع دون المفرد ليفيد أنه خبر بعد خبر ، لا صفة ، وأن التعبير بالشرذمة إنما هو للإشارة إلى تفرق القلوب ، والجمع ولا سيما ما للسلامة مع كونه أيضا للقلة أدل على أنهم أوزاع ، وفيه أيضا إشارة إلى أنهم مع ضعفهم بقلة العدد آيسون من إسعاف بمدد ، وليس لهم أهبة لقتال لعدم العدة [ ص: 39 ] لأنهم لم يكونوا قط في عداد من يقاتل كما تقول لمن تزدريه : هو أقل من [أن] يفعل كذا ، فقال : قليلون أي : بالنسبة إلى ما لنا من الجنود التي لا تحصى وإن كانوا في أنفسهم كثيرين ، فلا كثرة لهم تمنعكم أيها المحشورون من اتباعهم; قال عن البغوي رضي الله عنهما : كانوا ستمائة ألف وتسعين ألفا ، ولا يحصى عدد أصحاب ابن مسعود فرعون - انتهى.
وكل هذا بيان لأن فرعون مع تناهي عظمته لم يقدر على أثر ما في موسى عليه السلام ولا من اتبعه تحقيقا لما تقدم من الوعد به أول القصة.