ولما قام الدليل على نصحه وأمانته ، أجابوا بما ينظر إلى محض الدنيا كما أجاب من قال من أشراف العرب مال هذا الرسول الآيات ، وقال : لو طردت هؤلاء الضعفاء لرجونا أن نتبعك حتى نزل في ذلك ولا تطرد الذين يدعون ربهم ونحوها من الآيات ، بأن قالوا أي : قومه ، منكرين لاتباعه استنادا إلى داء الكبر الذي ينشأ منه بطر الحق وغمط الناس -أي : احتقارهم- أنؤمن لك أي : لأجل قولك هذا وما أثبته من أوصافك ، "و" الحال أنه قد " اتبعك الأرذلون " أي : المؤخرون في الحال والمآل ، والأحوال والأفعال ، فيكون إيماننا بك سببا لاستوائنا معهم ، فلو طردتهم لم يكن لنا عذر في التخلف عنك ، ولا مانع من اتباعك ، فكان ما متعوا به من العرض الفاني مانعا لهم عن السعادة الباقية ، وأما الضعفاء فانكسار قلوبهم وخلوها عن شاغل موجب لإقبالها على الخير [ ص: 64 ] وقبولها له ، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم ، وهكذا قالت قريش في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وما زالت أتباع الرسل كذلك حتى صارت من سماتهم وأماراتهم كما قال هرقل في سؤاله عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان مثال المستكبرين مثال شخص كان آخر دونه بدرجة ، فأصبح فوقه بدرجة ، فأنف من أن يرتقي إلى درجته لئلا يساويه ، ورضي لنفسه أن يكون دونه ، فما أسخف عقله! وما أكثر جهله! فلا شيء أبين من هذا في أن التقدم في الأمور الدنيوية داء لا دواء له إلا إماتة النفس بالتبرؤ منه والبعد عنه.