ولما كانت الموالاة بالباطن المنهي عنها مطلقا ودائما قد تفعل ويدعى نفيها لخفائها أمره صلى الله عليه وسلم بتحذيرهم من أو غيره فقال: - وقال موالاة أعدائه على وجه النفاق ولما كان حقيقة ما نهى عنه في الولاية والتقاة أمرا باطنا يترتب عليه فعل ظاهر فوقع التحذير فيه على الفعل كرر فيه التحذير على ما وراء الفعل مما في الصدور ونبه فيه على منال العلم خفية، فإنه قد يترك الشيء فعلا [ ص: 328 ] ولا تترك النفس الغية صغوا ونزوعا إليه في أوقات، وكرر في ختمه التحذير ليتثنى التحذيران ترقيا من الظاهر في الفعل إلى باطن الحماية في العلم كما تثنى الأمران في الظاهر والباطن، وكان في إجراء هذا الخطاب على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليهم بما أنه بشر مثلهم يلزمهم الاقتداء به فيما لم يبادروا إلى أخذه من الله في خطابه الذي عرض به نحوهم; انتهى. فقال تعالى -: الحرالي: قل إن تخفوا أي يا أيها المؤمنون ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله أي المحيط قدرة وعلما، ثم قال عاطفا على جملة الشرط التي هي مقول القول إرادة التعميم: ويعلم ما أي جميع ما في السماوات ولما كان الإنسان مطبوعا على ظن أنه إذا أخفى شيئا في نفسه لا يعلمه غيره أكد بإعادة الموصول فقال: وما أي وجميع ما في الأرض ظاهرا كان أو باطنا.
ولما كان ذو العلم لا يكمل إلا بالقدرة، وكان يلزم من تمام العلم شمول القدرة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى برهانه في سورة طه - كان التقدير: فالله بكل شيء عليم، فعطف عليه قوله: والله أي بما له [ ص: 329 ] من صفات الكمال على كل شيء قدير ومن نمط ذلك قوله سبحانه وتعالى: إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء مع ذكر التصوير كيف يشاء والختم بوصفي العزة والحكمة، وقد دل سبحانه وتعالى بالتفرد بصفتي العلم والقدرة على التفرد بالألوهية.