ودل على جهلهم قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إليه باتباعه قوله : وفضل العلم الرباني وحقارة ما [ ص: 357 ] أوتي وقال الذين وعظم الرغبة في العلم بالبناء للمفعول إشارة إلى أنه نافع بكل اعتبار [وباعتبار الزهد ، وبالتعبير عن أهل الزهد به] فقال : أوتوا العلم أي : من قومه ، فشرفت أنفسهم عن إرادة الدنيا علما بفنائها ، زجرا لمن تمنى مثل حاله ، وشمرا إلى الآخرة لبقائها : ويلكم أي : عجبا لكم ، أو حل بكم الشر حلولا ، وأصل ويل ، "وي" ، قال : جيء بلام الجر بعدها مفتوحة مع المضمر نحو وي لك ، ووي له ، أي : عجبا لك وله ، ثم خلط اللام بوي لكثرة الاستعمال حتى صارت كلام الكلمة فصار معربا بإتمامه ثلاثيا ، فجاز أن يدخل بعدها لام أخرى في نحو ويلا لك ، لصيرورة الأول لام الكلمة ، ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل : ويل لك ، وهو باق على ما كان عليه في حال النصب إذ الأصل في ويل لك : هلكت ويلا ، أي : هلاكا فرفعوه بعد حذف الفعل نفضا لغبار الحدوث ، وقيل : أصل ويل الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى كما استعمل لا أبا لك - وأصله الدعاء على الرجل - في الحث على الفعل ، فكأنهم قالوا : ما لنا يحل بنا الويل؟ فأخبروهم بما ينبغي معرضين [ ص: 358 ] عما استحقوا به الويل من التمني ، تحقيرا لما استفزهم حتى قالوه فقالوا : الفراء ثواب الله أي : الجليل العظيم خير أي : من هذا الحطام ، ومن فاته الخير حل به الويل; ثم بينوا مستحقه تعظيما له وترغيبا للسامع في حاله فقالوا : لمن آمن وعمل أي : تصديقا لإيمانه صالحا ثم بين سبحانه عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله مؤكدا لأن أهل الدنيا ينكرون كونهم غير صابرين : ولا يلقاها أي : لا يجعل لاقيا لهذا الكلمات أو النصيحة التي قالها أهل العلم ، أي : عاملا بها إلا الصابرون أي : على قضاء ربهم في السراء والضراء ، ، وعبر بالجمع ترغيبا في التعاون إشارة إلى [أن] الدين لصعوبته لا يستقل به الواحد. والحاملون أنفسهم على الطاعات الذين صار الصبر لهم خلقا