ولما كان التأسي من سنن الآدميين ، توقع المخاطب بهذا الأمر الخبر عن حالهم في ذلك ، فقال مؤكدا لمن يظن أن الابتلاء لا يكون ، لأن الله غني عنه فلا فائدة فيه جاهلا بما فيه من الحكمة بإقامة الحجة على مقتضى عوائد الخلق : ولقد أي : أحسبوا والحال أنا قد فتنا أي : عاملنا بما لنا من العظمة معاملة المختبر الذين
ولما كان التأسي بالقريب في الزمان أعظم ، أثبت الجار في قوله : من قبلهم أي : من قبل هؤلاء الذين أرسلناك إليهم من أتباع الأنبياء حتى كان الرجل منهم يمشط لحمه بأمشاط الحديد ما يرده ذلك عن دينه ، ومن رؤوسهم صاحب أكثر السورة الماضية موسى عليه الصلاة والسلام ، ففي قصته حديث طويل عن رضي الله عنهما يقال له حديث الفتون وهو في مسند ابن عباس ، ومن آخر ما ابتلي به [ ص: 390 ] أمر أبي يعلى قارون وأتباعه.
ولما كان الامتحان سببا لكشف مخبآت الإنسان بل الحيوان ، فيكرم عنده أو يهان ، وأرشد السياق إلى أن المعنى : فلنفتننهم ، نسق به قوله : فليعلمن الله [أي : الذي له الكمال كله ، ] بفتنة خلقه ، علما شهوديا كما كان يعلم ذلك علما غيبيا ، ويظهره لعباده ولو بولغ في ستره ، التفاتا عن مظهر العظمة إلى أعظم منه تنبيها للناقصين - وهم أكثر الناس - على أنه منزه عن كل شائبة نقص ، وأكد إشارة إلى أن أكثر الناس يظن الثبات عند الابتلاء وأنه إذا أخفى عمله لا يطلع عليه أحد وعبر بالاسم الأعظم الدال على جميع صفات الكمال الذين صدقوا في دعواهم الإيمان ولو كانوا في أدنى مراتب الصدق ، وليعلمن الذين يقولون عند البلاء الصادقين ، وهم الصابرون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله فيكون أحدهم عند الرخاء برا شكورا ، وعند البلاء حرا صبورا ، وليعلمن الذين كذبوا في دعواهم وليعلمن الكاذبين أي : ، فإن أصابهم خير اطمأنوا به وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم ، فظنوا ، فيكون لكل من الجزاء على حسب ما كشف [ ص: 391 ] منه البلاء ، والتعبير بالمضارع لتحقق الاختبار ، على تجدد الأعصار ، لجمعي الأخيار والأشرار ، فمن لم يجاهد نفسه عند الفتنة فيطيع [في] السراء والضراء كان من الكافرين فكان في جهنم الراسخين في الكذب الذين يعبدون الله على حرف أليس في جهنم مثوى للكافرين ، والآية من الاحتباك : دل بالذين صدقوا على الذين كذبوا ، وبالكاذبين على الصادقين ، ذكر الفعل أولا دليلا على تقدير ضده ثانيا ، والاسم ثانيا دليلا على حذف ضده أولا. ومن جاهد كان من المحسنين