ولما أبلغ في الإنذار ، وحذر من الأمور الكبار ، ولم يهمل الإشارة إلى الصغار ، وكانت هذه الآيات في المتعنتين من الكفار، وكان قد كرر أن هذه المواعظ إنما هي للمؤمنين ، قال مخاطبا لهم معرضا عن سواهم إذا كانت أسماعهم لبليغ هذه المواعظ قد أصغت ، وقلوبهم لجليل هذه الإنذارات قد استيقظت ، التفاتا على قراءة الجمهور إلى [ ص: 465 ] التلذيذ في المناجاة بالإفراد والإبعاد من مداخل التعنت : يا عبادي فشرفهم بالإضافة ، ولكنه لما أشار بأداة البعد إلى أن فيهم من لم يرسخ ، حقق ذلك بقوله : الذين آمنوا [أي : ] وإن كان الإيمان باللسان مع أدنى شعبة من القلب.
ولما كان نزول هذه [السورة] بمكة ، وكانوا بها مستخفين بالعبادة خوفا من الكفار ، وكانت الهجرة للأهل والأوطان شديدة ، قال مؤكدا تنبيها على أن : حال من ترك الهجرة حال من يظن أن الأرض ضيقة إن أرضي واسعة أي : في الذات والرزق وكل ما تريدون من الرفق ، فإن لم تتمكنوا بسبب هؤلاء المعاندين الذين يفتنونكم في دينكم ويمنعونكم من الإخلاص [لي] في أرضكم والاجتهاد في عبادتي حتى يصير الإيمان لكم وصفا ، فهاجروا إلى أرض تتمكنون فيها من ذلك.
ولما كانت الإقامة بها قبل الفتح مؤدية إلى الفتنة ، وكان المفتون ربما طاوع بلسانه ، وكان ذلك وإن كان القلب مطمئنا بالإيمان في صورة الشرك قال : فإياي أي : خاصة بالهجرة إلى أرض تأمنون فيها اعبدوا وتنبهوا فاعبدون بسبب ما دبرت لكم من المصالح من توسيع الأرض وغيره ، عبادة لا شرك فيها ، لا باللسان ولا بغيره ولا استخفافا بها ولا مراعاة لمخلوق في معصيته ، ولا شيء يجر إليها بالهرب ممن يمنعكم من ذلك إلى من يعينكم عليه.