ولما ختم بالسمع آية جمعت آيات الأنفس والآفاق لكونها [نشأت من أحوال البشر والخافقين، افتتح بالرؤية آية أخرى جامعة لهما لكونها ناشئة عنهما مع كونها] أدل على المقصود جامعة بين [ ص: 73 ] الترغيب والترهيب فقال: ومن آياته ولما كان لمعان البرق جديرا بالتماع البصر [عند] أول رؤية، وكان يتجدد في حين دون حين، عبر بالمضارع حاذفا الدال على إرادة المصدر للدلالة على التجدد المعجب منه فقال: يريكم البرق أي على هيئات وكيفيات طالما شاهدتموها تارة تأتي بما يضر وتارة بما يسر، ولذلك قال معبرا بغاية الإخافة والإطماع لأن الغايات هي المقصودة بالذات: خوفا أي للإخافة من الصواعق المحرقة وطمعا أي وللطماع في المياه الغدقة، وعبر بالطمع لعدم الأسباب الموصلة إليه.
ولما كان البرق غالبا من المبشرات بالمطر، وكان ما ينشأ عن الماء أدل شيء على البعث، أتبعه شرح ما أشار إليه به من الطمع فقال: وينـزل ولما كان إمساك الماء في جهة العلو في غاية الغرابة، قال محققا للمراد بالإنزال من الموضع الذي لا يمكن لأحد غيره دعواه من السماء ماء
ولما جعل سبحانه ذلك سببا لتعقب الحياة قال: فيحيي به أي الماء النازل من السماء خاصة لأن أكثر الأرض لا تسقى بغيره الأرض أي بالنبات الذي هو لها كالروح لجسد الإنسان، ولما كانت الأرض ليس لها من ذاتها في الإنبات إلا العدم، وكان إحياؤها [ ص: 74 ] به متكررا، فكان كأنه دائم، [وكان ذلك أنسب لمقصود السورة] حذف الجار قائلا: بعد موتها أي بيبسه وتهشمه إن في ذلك [أي] الأمر العظيم العالي القدر لآيات لا سيما على القدرة على البعث. ولما كان ذلك ظاهرا كونه من الله الفاعل بالاختيار لوقوعه في سحاب دون سحاب وفي وقت دون آخر وفي بلد دون آخر، وعلى هيئات من القوة والضعف والبرد والحر وغير ذلك من الأمر، وكان من الوضوح في الدلالة على البعث بمكان لا يخفى على عاقل قال: لقوم يعقلون