ولما كان من الناس من من الله عليه بأن كان في هذا الميدان، وسمت همته إلى مسابقة الفرسان، فلما رأى أنه لم يلتفت إليه، ولم يعول أصلا عليه، كادت نفسه تطير، وكانت عادة القوم أن يخاطبوا القوم لمخاطبة رئيسهم تعظيما له وحثا لهم على التحلي بما خص به، جبرت قلوبهم وشرحت صدورهم فبينت لهم حال من ضمير "أقم" أو من العامل في "فطرت" إعلاما بأنهم مرادون بالخطاب، مشار إليهم بالصواب، فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19860_30489_30561_34289_844_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31منيبين أي راجعين مرة بعد مرة بمجاذبة النفس والفطرة الأولى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31إليه تعالى بالنزوع عما اكتسبتموه من رديء الأخلاق إلى تلك الفطرة السليمة المنقادة للدليل، الميالة إلى سواء السبيل.
ولما لم يكن بعد الرجوع إلى المحجة إلا الأمر بلزومها خوفا من الزيغ عنها دأب المرة الأولى. قال عاطفا على
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31واتقوه أي خافوا أن تزيغوا عن سبيله يسلمكم في أيدي أولئك المضلين، فإذا
[ ص: 90 ] خفتموه فلزمتموها كنتم ممن تخلى عن الرذائل
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31وأقيموا الصلاة تصيروا ممن تحلى بالفضائل - هكذا دأب الدين أبدا تخلية ثم تحلية: أول الدخول إلى الإسلام التنزيه، وأول الدخول في القرآن الاستعاذة، وهو أمر ظاهر معقول، مثاله من أراد أن يكتب في شيء إن مسح ما فيه من الكتابة انتفع بما كتب، وإلا أفسد الأول ولم يقرأ الثاني. والله الموفق.
ولما كان الشرك من الشر بمكان ليس هو لغيره، أكد النهي عنه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31ولا تكونوا أي كونا ما
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31من المشركين أي لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددة أو معاشرة أو عمل تشابهونهم فيه فإنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=675435 "من تشبه بقوم فهو منهم" وهو عام في كل شرك سواء كان بعبادة صنم أو نار أوغيرهما، أو بالتدين بما يخالف النصوص من أقوال الأحبار والرهبان وغير ذلك.
وَلَمَّا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ، وَسَمَتْ هِمَّتُهُ إِلَى مُسَابَقَةِ الْفُرْسَانِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُعَوِّلْ أَصْلًا عَلَيْهِ، كَادَتْ نَفْسُهُ تَطِيرُ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْقَوْمِ أَنْ يُخَاطِبُوا الْقَوْمَ لِمُخَاطَبَةِ رَئِيسِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُ وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى التَّحَلِّي بِمَا خَصَّ بِهِ، جُبِرَتْ قُلُوبُهُمْ وَشُرِحَتْ صُدُورُهُمْ فَبُيِّنَتْ لَهُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ "أَقِمْ" أَوْ مِنَ الْعَامِلِ فِي "فِطْرَتَ" إِعْلَامًا بِأَنَّهُمْ مُرَادُونَ بِالْخِطَابِ، مُشَارٌ إِلَيْهِمْ بِالصَّوَابِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19860_30489_30561_34289_844_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31مُنِيبِينَ أَيْ رَاجِعِينَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِمُجَاذَبَةِ النَّفْسِ وَالْفِطْرَةِ الْأَوْلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31إِلَيْهِ تَعَالَى بِالنُّزُوعِ عَمَّا اكْتَسَبْتُمُوهُ مِنْ رَدِيءِ الْأَخْلَاقِ إِلَى تِلْكَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الْمُنْقَادَةِ لِلدَّلِيلِ، الْمَيَّالَةِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى الْمَحَجَّةِ إِلَّا الْأَمْرُ بِلُزُومِهَا خَوْفًا مِنَ الزَّيْغِ عَنْهَا دَأْبَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. قَالَ عَاطِفًا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31وَاتَّقُوهُ أَيْ خَافُوا أَنْ تَزِيغُوا عَنْ سَبِيلِهِ يُسْلِمْكُمْ فِي أَيْدِي أُولَئِكَ الْمُضِلِّينَ، فَإِذَا
[ ص: 90 ] خِفْتُمُوهُ فَلَزِمْتُمُوهَا كُنْتُمْ مِمَّنْ تَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ تَصِيرُوا مِمَّنْ تَحَلَّى بِالْفَضَائِلِ - هَكَذَا دَأْبُ الدِّينِ أَبَدًا تَخْلِيَةٌ ثُمَّ تَحْلِيَةٌ: أَوَّلُ الدُّخُولِ إِلَى الْإِسْلَامِ التَّنْزِيهُ، وَأَوَّلُ الدُّخُولِ فِي الْقُرْآنِ الِاسْتِعَاذَةُ، وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَعْقُولٌ، مِثَالُهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي شَيْءٍ إِنْ مَسَحَ مَا فِيهِ مِنَ الْكِتَابَةِ انْتَفَعَ بِمَا كَتَبَ، وَإِلَّا أَفْسَدَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَقْرَأِ الثَّانِيَ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ مِنَ الشَّرِّ بِمَكَانٍ لَيْسَ هُوَ لِغَيْرِهِ، أَكَّدَ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31وَلا تَكُونُوا أَيْ كَوْنًا مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَيْ لَا تَكُونُوا مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عِدَادِهِمْ بِمُوَادَدَةٍ أَوْ مُعَاشَرَةٍ أَوْ عَمَلٍ تُشَابِهُونَهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=675435 "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ شِرْكٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِبَادَةِ صَنَمٍ أَوْ نَارٍ أَوَغَيْرِهِمَا، أَوْ بِالتَّدَيُّنِ بِمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ مِنْ أَقْوَالِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.