ولما كان الإيمان قد يدعى كذبا لخفاء به، قال: لمؤمن أي من عبد الله بن جحش وزيد وغيرهما ولا مؤمنة أي من وغيرها، فعلق الأمر بالإيمان إعلاما بأن من اعترض غير مؤمن وإن أظهر الإيمان بلسانه زينب إذا قضى الله أي الملك الأعظم الذي لا ينبغي [ ص: 355 ] لعاقل التوقف في أمره ورسوله الذي لا يعرف قضاؤه إلا به أمرا أي أي أمر كان.
ولما كان المراد كل مؤمن، والعبارة صالحة له، وكان النفي عن المجموع كله نفيا عما قل عنه من باب الأولى، قال: " أن تكون " أي كونا راسخا على قراءة الجماعة بالفوقانية، وفي غاية الرسوخ على قراءة الكوفيين بالتحتانية لهم أي خاصة الخيرة مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس من أمرهم أي الخاص بهم باستخارة لله ولا بغيرها ليفعلوا خلاف ذلك القضاء، فإن المراد بالاستخارة ظن ما اختاره الله، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعي الدلالة على [ما] اختاره الله تعالى، وفي هذا عتاب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه، ولكنها لما قدمت بعد نزول الآية خيرته صلى الله عليه وسلم في تزويجها من لزينب زيد رضي الله عنهما على خيرتها، عوضها الله أن صيرها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعه في الجنة في أعلى الدرجات، فالخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى، فمن فعل غير ذلك فقد عصى النبي صلى الله [ ص: 356 ] عليه وسلم، ومن عصاه عصى الله لأنه لا ينطق إلا عنه ومن يعص الله أي الذي لا أمر لأحد معه ورسوله أي [الذي] معصيته معصيته لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم فقد ضل وأكده المصدر فقال: ضلالا وزاده بقوله: مبينا أي لا خفاء به، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلفا بقول الشاعر حيث قال:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي عامدا
... ما من يهون عليك ممن يكرم