ولما شرع يستدل على استحقاقه لذلك بقوله: أخبر سبحانه وتعالى بخسارة من ارتد عن الإسلام كيف يهدي الله مع ما له من كمال العظمة قوما أي يخلق الهداية في قلوب ناس بهم قوة المحاولة لما يريدونه كفروا أي أوقعوا الكفر بالله ربهم وبما ذكر مما أتت به رسله إعراضا عنه وعنهم، ولما كان المقصود بكمال الذم من استمر كفره إلى الموت قال من غير جار: بعد إيمانهم بذلك كله وشهدوا أي وبعد أن شهدوا أن الرسول حق بما عندهم من العلم به وجاءهم البينات أي القاطعة بأنه حق وأنه رسول الله قطعا، لا شيء أقوى من بيانه ولا أشد من ظهوره بما أشعر به إسقاط تاء التأنيث من جاء.
ولما كان الحائد عن الدليل بعد البيان لا يرجى في الغالب عوده كان الاستبعاد بكيف موضحا لأن التقدير لأجل التصريح بالمراد: أولئك لا يهديهم الله لظلمهم بوضعهم ثمرة الجهل بنقض عهد الله سبحانه وتعالى المؤكد بواسطة رسله موضع ثمرة العلم، فعطف على هذا المقدر المعلوم تقديره قوله: والله أي الذي له الكمال كله لا يهدي [ ص: 477 ] القوم الظالمين أي الغريقين في الظلم لكونه جبلهم على ذلك، تحذيرا من مطلق الظلم،