ولما كان التقدير: فإن لقيت ذلك وأعاذك الله من الشيطان فأنت أنت، عطف عليه قوله معبرا بأداة الشك المفهمة لجواز وقوع ذلك في الجملة، مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم معصوم إشارة إلى رتبة الإنسان من حيث هو إنسان وإلى أن الشيطان يتوهم مع علمه بالعصمة أنه يقدر على ذلك فيعلق أمله به، وكأنه لذلك أكد لأن نزغه له في محل الإنكار وإما ولما كانت وسوسة الشيطان تبعث على ما [ ص: 190 ] لا ينبغي، وكان العاقل لا يفعل ما لا ينبغي إلا بالإلجاء، شبه المتعاطي له بالمنخوس الذي حمله النخس على ارتكاب ما يضر فقال: ينـزغنك أي ينخسنك ويطعننك طعنا مفسدا فيحصل لك تألم من الشيطان البعيد من الرحمة المحترق باللعنة. ولما كان المقام خطرا لأن الطبع مساعد للوسواس، جعل النزغ نفسه نازغا إشارة إلى ذلك فقال: نـزغ أي وسوسة تحرك نحو الموسوس من أجله وتبعث إليه بعث المنخوس إلى الجهة التي يوجه إليها، فإن ينبعث إلى تلك الجهة بعزم عظيم فاستعذ بالله أي استجر بالملك الأعلى واطلب منه الدخول في عصمته مبادرا إلى ذلك حين نخس بالنزغة فإنه لا يقدر على الإعاذة منه غيره ولا تذر النزغة تتكرر بل ارجع إلى المحيط علما وقدرة في أول الخطرة، فإنك إن لم تخالف أول الخطرة صارت فكرة فيحصل العزم فتقع الزلة فتصير قسوة فيحصل التمادي - نبه عليه القشيري.
ولما كانت الاستعاذة هنا من الشيطان، وكان نزغه مما يعلم لا مما يرى وكانت صفة السمع نعم ما يرى وما لا يرى، قال مؤكدا لوقوف الجامدين مع الظواهر: إنه هو أي وحده السميع وختم بقوله: العليم الذي يسمع كل مسموع من استعاذتك وغيرها، [ ص: 191 ] ويعلم كل معلوم من نزغه وغيره، فهو القادر على رد كيده، وتوهين أمره وأيده، وليس هو كما جعلتموه له من الأنداد الصم البكم التي لا قدرة لها على شيء أصلا.