ولما كانوا في هذا الأمر بين طاعة ومعصية، وكان درء المفاسد مقدما، سبب عن ذلك قوله معبرا بأداة الشك تنبيها لهم على أن استكبارهم بعد إقامة هذه الأدلة ينبغي أن لا يتوهم، وصرف القول إلى الغيبة تحقيرا لهم وإبعادا على تقدير وقوع ذلك منهم فإن استكبروا أي أوجدوا الكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم يوحدوا الله ولم ينزهوه تعالى عن الشريك فالذين عند وأظهر موضع الإصخار معبرا بوصف الإحسان بشارة له ونذارة لهم ربك خاصة لا عندهم لكونهم مقربين لديه في درجة الرضاء والكرامة ولكونهم مما يستغرق [ ص: 195 ] به الآدميون ولكون الكفار لا قدرة لهم على الوصول إليهم بوجه: يسبحون له أي يوقعون التنزيه عن النقائص ويبعدون عن الشركة لأجل علوه الأقدس وعزه الأكبر لا لشيء غيره إخلاصا في عبادته وهم لا يستكبرون.
ولما كان حال الكفار في الإخلاص مختلفا في الشدة والرخاء، أشار إلى تقبيح ذلك منهم بتعميم خواصه عليهم الصلاة والسلام بالإخلاص حالتي الإثبات الذي هو حالة بسط في الجملة، والمحو الذي هو حالة قبض كذلك يجددون هذا التنزيه مستمرين عليه في كل وقت فقال: بالليل والنهار أي على مر الملوين وكر الجديدين لا يفترون. ولما كان في سياق الفرص لاستكبارهم المقتضي لإنكارهم، أكد بالعاطف والضمير فقال مؤذنا بأن هذا ديدنهم لا ينفكون عنه: وهم أي والحال أنهم على هذا الدوام لا يسأمون أي لا يكاد لهم في وقت من الأوقات فتور ولا ملل، فهو غني عن عبادة هؤلاء بل وعن عبادة كل عابد، والحظ الأوفر لمن عنده وأما هو سبحانه فلا يزيده شيئا ولا ينقصه شيء فدع هؤلاء أن استكبروا وشأنهم، فيعلمون من الخاسر، فالآية [ ص: 196 ] من الاحتباك: ذكر الاستكبار أولا دليلا على حذفه ثانيا والتسبيح ثانيا دليلا على حذفه أولا، وسر ذلك أنه ذكر أقبح ما لأعدائه وأحسن ما لأوليائه.