ولما أخبروا على هذه العظمة تنطعا لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات، غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى [ ص: 37 ] ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكرا عليهم: أهم خير أي: في الدين والدنيا أم قوم تبع أي: الذين ملك بهم تبع الأرض بطولها والعرض وحير الحيرة وبنى قصر سمرقند وكان مؤمنا، وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زمانا ومكانا. وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع: هو ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق. وقال أول من كسا البيت ونحر بالشعب بعد أن ذكر قصته مع البغوي الأنصار لما قتل ابنه غيلة بالمدينة الشريفة وما وعظته به اليهود في الكف عن إخراب المدينة لأنها مهاجر نبي [من] قريش : فصدقهم وتبع دينهم، وذلك قبل نسخه، وقال عن الرقاشي : آمن تبع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة عام، وعن رضي الله عنها أنها قالت: لا تسبوا عائشة تبعا؛ فإنه كان رجلا صالحا.
ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: والذين من قبلهم أي: [من] مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.
[ ص: 38 ] ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: أهلكناهم أي: بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يشعرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيرا للعرب بقوله مؤكدا لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: إنهم كانوا أي: جبلة وطبعا مجرمين أي: عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.