[ ص: 50 ] ولما ذكر الأمان، وكان أخوف ما يخاف أهل الدنيا الموت، قال: لا يذوقون فيها أي: الجنة الموت أي: لا يتجدد لهم أوائل استطعامه فكيف بما وراء ذلك. ولما كان المراد نفي ذلك على وجه يحصل معه القطع بالأمن على أعلى الوجوه، وكان الاستثناء معيار العموم، وكان من المعلوم أن ما كان في الدنيا من ذوق الموت الذي هو معنى من المعاني قد استحال عوده، قال معللا معلقا على هذا المحال: إلا الموتة ولما كان المعنى مع إسناد الذوق إليه لا يلبس لأن ما قبل نفخ الروح ليس مذوقا، عبر بقوله: الأولى وقد أفهم التقييد بالظرف أن النار يذاق فيها الموت، والوصف بالأولى أن المذوق موتة ثانية، فكان كأنه قيل: لكن غير المتقين ممن كان عاصيا فيدخل النار فيذوق فيها موتة أخرى - كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ويجوز أن يجعل وصف المتقين أعم من الراسخين وغيرهم، فيكون الحكم على المجموع، أي أن الكل لا يذوقون، وبعضهم - وهم من أراد الله من العصاة - يذوقونه في غيرها وهو النار، ويجوز أن تكون الموتة الأولى كانت في الجنة المجازية فلا يكون تعليقا بمحال، وذلك أن المتقي لم يزل [ ص: 51 ] فيها في الدنيا مجازا بما له من التسبب وبما سبق من حكم الله له بها، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، قيل: وما خرفة الجنة؟ قال: جناها» وكذا المحكوم له بما هو فيها عند الموت وبعده بما له من التمتع بالنظر ونحوه من الأكل للشهداء وغير ذلك مما ورد في الأخبار الصحيحة، ومن ذلك ما رواه «وإذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» عن البخاري رضي الله عنه أن عمه أنس النضر رضي الله عنه قال يوم أحد: يا ، الجنة ورب سعد بن معاذ النضر، إني لأجد ريحها من دون أحد، ثم قاتل حتى قتل. ثم يكون تمام ذلك النعيم بالجنة بعد البعث، قال : الدنيا إذا تحققت في حق المؤمن المتقي وتتبع النظر فيها فإنها جنة صغرى لتوليه سبحانه إياهم فيها وقربه منهم ونظره إليهم وذكرهم له وعبادتهم إياه وشغلهم به وهو معهم أينما كانوا. ابن برجان
ولما كان السياق للمتقين قال: ووقاهم أي: جملة المتقين في جزاء ما اتقوه عذاب الجحيم أي: التي تقدم إصلاء الأثيم لها، وأما غير المتقين من العصاة فيدخل الله من أراد منهم النار فيعذر كلا منهم [ ص: 52 ] على قدر ذنوبه ثم يميتهم [فيها] ويستمرون إلى أن يأذن الله في الشفاعة فيهم فيخرجهم ثم يحييهم بما يرش عليهم أهل الجنة من ماء الحياة، روى في مسنده الإمام أحمد في الإيمان من صحيحه ومسلم في الشفاعة من سننه وابن حبان في صفة الجنة والنار من سننه المشهور بالمسند، والدارمي في تفسيره عن وابن أبي حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي سعيد الخدري - وقال «أما أهل النار الذين هم أهلها» : الذين هم للنار - الدارمي وقال [ «فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس منكم أصابتهم النار بذنوبهم»، - أو قال: «بخطاياهم - فأماتهم الله إماتة»، : "فيميتهم إماتة"، وقال] الإمام أحمد الدرامي : [وقال «فإن النار تصيبهم على قدر ذنوبهم فيحرقون فيها حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم" ]: الدارمي وقال "فيخرجون من النار ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون"، فتنبت لحومهم نبات الحبة في حميل السيل. الضبائر قال الدارمي عبد الغافر الفارسي في مجمع الرغائب: [ ص: 53 ] جمع ضبارة مثل عمارة عمائر: جماعات الناس، وروى عن أبو يعلى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنس «يدخل ناس في النار حتى إذا صاروا فحما أدخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة: من هؤلاء؟، فيقال: هؤلاء الجهنميون»، عن ولأحمد بن منيع رضي الله عنه [عن النبي صلى الله عليه وسلم] قال: «يوضع الصراط» فذكر شفاعة المؤمنين في إخوانهم بعد جواز الصراط وإذن [الله] لهم في إخراجهم، [قال]: أبي سعيد الخدري «فيخرجونهم منها فيطرحونهم في ماء الحياة فينبتون [نبات] الزرع في [غثاء] السيل»، ولابن أبي عمر عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبيد بن عمير الثعارير - بالثاء المثلثة والعين والراء المهملتين: نبات كالهليون، وروى «يخرج الله قوما من النار بعد ما امتحشوا فيها وصاروا فحما فيلقون في نهر على باب الجنة يسمى نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل - أو كما تنبت الثعارير - فيدخلون الجنة، فيقال: هؤلاء عتقاء الرحمن» -وقال: حسن صحيح- وروي من غير وجه عن الترمذي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 54 ] جابر «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمما ثم تدركهم الرحمة [فيخرجون] ويطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة».