يسمع آيات الله أي: دلالات الملك الأعظم الظاهرة حال كونها تتلى أي: يواصل استماعه لها بلسان القال أو الحال من أي تال كان، عالية عليه بجميع ما فيها من سهولة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق.
ولما كانت تلاوتها موجبة لإقلاعه فكان إصراره مع بعد رتبته في الشناعة مستبعدا كونه قال: ثم يصر أي: يدوم دوما عظيما على قبيح ما هو فيه حال كونه مستكبرا أي: طالبا الكبر عن الإذعان [ ص: 70 ] وموجدا له. ولما كان مع ما ذكر من حاله يجوز أن يكون سماعه لها، خفف من مبالغته في الكفر، بين أنها لم تؤثر فيه نوعا من التأثير، فكان قلبه أشد قسوة من الحجر [فقال]: كأن أي: كأنه لم يسمعها فعلم من ذلك ومن الإصرار وما قيد به من الاستكبار أن حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء، وقد علم بهذا الوصف أن [كل] من لم ترده آيات الله تعالى كان مبالغا في الإثم والإفك، فكان له الويل.
ولما كان الإصرار معناه الدوام المتحكم، لم يذكر الوقر الذي هو من الأمراض الثابتة كما ذكره في سورة لقمان، قال ابن القطاع وابن ظريف في أفعالهما، أصر على الذنب والمكروه: أقام، وقال عبد الغافر الفارسي في المجمع: أصررت على الشيء أي أقمت ودمت عليه، وقال في المجمل: والإصرار: العزم على الشيء والثبات عليه، وقال ابن فارس في ديوانه ونقله عن أبو عبد الله القزاز في واعيه: وأصل الصر الإمساك، ومنه يقال: أصر فلان على كذا، أي أقام عليه وأمسكه في نفسه وعقده لأنه قد يقول ما ليس في نفسه وما لا يعتقده، والرجل مصر على الذنب أي ممسك له معتقد عليه، ثم [ ص: 71 ] قال: من الإصرار عليه وهو العزم على أن لا يقلع عنه، وقال عبد الحق الأصفهاني تبعا لصاحب الكشاف: وأصله من أصر الحمار على العانة، وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه.
ولما أخبر عن ثباته على الخبث، سبب عنه تهديده في أسلوب دال - بما فيه من التهكم - على شدة الغضب وعلى أنه إن كان له بشارة فهي العذاب فلا بشارة له أصلا فقال تعالى: فبشره أي: على هذا الفعل الخبيث بعذاب لا يدع له عذوبة أصلا أليم أي: بليغ الإيلام.