ولما أخبر بذلك فكان ربما سأل من لا يعي الكلام حق وعيه عن السبب الموجب للعن المسبب للصم والعمى، أجابه بقوله منكرا موبخا مظهرا لتاء التفعل إشارة إلى أن المأمور به صرف جميع الهمة إلى التأمل: أفلا يتدبرون أي: كل من له أهلية التدبر بقلوب منفتحة منشرحة ليهتدوا إلى [كل] خير القرآن بأن يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس تفكر من ينظر في أدبار الأمور وماذا يلزم من عواقبها ليعلموا أنه لا عون على الإصلاح في الأرض وصلة الأرحام والإخلاص لله في لزوم كل طاعة والبراءة من كل معصية مثل الأمر بالمعروف من الجهاد بالسيف وما دونه، وربما دل إظهار التاء على أن ذلك من أظهر ما في القرآن من المعاني، فلا يحتاج في العثور عليه إلى كبير تدبر. والله أعلم.
ولما كان الاستفهام إنكاريا فكان معناه نفيا، فهو لكونه داخلا على النفي نفي له فصار إثباتا، فكان كأنه قيل: هل يجددون التدبر تجديدا مستمرا لترق قلوبهم به وتنير بصائرهم له، فيكفوا عن [ ص: 244 ] الإفساد والتقطيع، عادله بقوله مشبها للقلوب بالصناديق دالا على ذلك التشبيه بذكر ما هو مختص بالصناديق من الأقفال: أم على قلوب من قلوب الغافلين لذلك، ونكرها لتبعيضها وتحقيرها بتعظيم قسوتها أقفالها أي: الحقيقة بها الجديرة بأن تضاف إليها، فهي لذلك لا تعي شيئا ولا تفهم أمرا ولا تزداد إلا غباوة وعنادا، لأنها لا تقدر على التدبر، قال القشيري: فلا تدخلها زواجر التنبيه ولا ينبسط عليها شعاع العلم، فلا يحصل لهم فهم الخطاب، والباب إذا كان مقفلا فكما لا يدخل فيه شيء فلا يخرج ما فيه، فلا كفرهم يخرج ولا الإيمان الذي يدعون إليه يدخل. انتهى.
والإضافة تشعر بأن [بعض] المتولين على قلوبهم أقفال، لكن ليست متمكنة فيها، فهو سبحانه يفتحها بالتوبة عليهم إذا أراد، وأما الأولون فلا صلاحية لهم، وفي هذه الآية أعظم حاث على قبول أوامر الله لا سيما الجهاد في سبيله وأشد زاجر عن الإعراض عنه؛ لأن حاصلها أنه لعن من أعرض عنه لكونه لا يتدبر القرآن مع وضوحه ويسره ليعلم فوائد الجهاد الداعية إليه المحببة فيه، فكان [كأن] قلبه مقفل، والآية من الاحتباك: [ ص: 245 ] ذكر التدبر أولا دليلا على ضده ثانيا، والأقفال ثانيا دليلا على ضدها أولا، وسره أنه ذكر نتيجة الخير الكافلة بالسعادة أولا وسبب الشر الجامع للشقاوة ثانيا.