ولما مدح - سبحانه وتعالى - المسارعين في طاعته؛ وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ وختم ذلك بالنهي عن الخوف من أولياء الشيطان؛ [ ص: 133 ] أعقبه بذم المسارعين في الكفر؛ والنهي عن الحزن من أجلهم.
ولما كان أكثر الناس - كالمنافقين الراجعين عن "أحد"؛ ثم المقاتلين القائلين: هل لنا من الأمر من شيء - أرجفوا إلى أبي عامر؛ وعبد الله بن أبي؛ لأخذ الأمان من ثم ركب أبي سفيان؛ عبد القيس؛ أو نعيم بن مسعود؛ ثم من استجاب من أهل المدينة؛ وأرجف بما قالوا في ثبط المؤمنين؛ وكان ذلك مما يخطر بالبال تمادي أيام الكفر وأهله غالبين؛ ويقدح في رجاء قصر مدته؛ ويوجب الحزن على ذلك؛ قال (تعالى) - قاصرا الخطاب على أعظم الخلق؛ وأشفقهم؛ وأحبهم في صلاحهم -: ولا يحزنك الذين يسارعون ؛ أي: يسرعون إسراع من يسابق خصما؛ في الكفر ؛ ثم علل ذلك بقوله: إنهم لن يضروا الله ؛ أي: الذي له جميع العظمة؛ شيئا ؛ أي: دينه؛ بإذلال أنصاره؛ والقائمين به؛ وحذف المضاف تفخيما له؛ وترغيبا فيه؛ حيث جعله هو المضاف إليه.
ولما نفى ما خيف من أمرهم؛ كان مظنة السؤال عن الحاكم لهم على المسارعة؛ فقيل - جوابا -: يريد الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ ألا يجعل لهم حظا ؛ أي: نصيبا؛ في الآخرة ؛ ولما كانت المسارعة في ذلك عظيمة؛ ختمت الآية بقوله: ولهم عذاب عظيم ؛ قد عم [ ص: 134 ] جميع ذواتهم؛ لأن المسارعة دلت على أن الكفر قد ملأ أبدانهم؛ ونفوسهم؛ وأرواحهم.