ولما كان من المعلوم أن المأمور بإبلاغهم وإنذارهم هذا الإنذار صلى الله عليه وسلم في غاية الرحمة لهم [ والشفقة عليهم -] فهو بحيث يشق عليه غاية المشقة ما أفهمه هذا الكلام من إهلاكهم أن يصدقوا، [و -] يحب التأني بهم، لفت سبحانه الخطاب إليه عاطفا على ما تقديره: فلقد طال إمهالنا لهم وحلمنا عنهم وتعريفنا لهم بعظيم قدرتنا وهم لا يرجعون وكثر وعظنا لهم وتصريفنا القول بينهم على ألسنة رسلنا عليهم الصلاة والسلام وهم يتمادون ولا ينتهون، قوله مصورا [ لهم -] ما توعدهم به في أمر محسوس لأن الأمور المشاهدات أروع للإنسان لما له من التقيد بالوهم مؤكدا للإشارة إلى أن التكذيب مع إقامة البراهين أمر يجب إنكاره فلا يكاد يصدق: ولقد كذب وطغى وبغى وأعرض وتجبر وتمرد وولى بوجهه [ ص: 251 ] وقلبه الذين
ولما كان هذا التكذيب لم يعم الماضين بعض فقال: من قبلهم يعني كفار الأمم الماضية.
ولما كان سبحانه قد أملى لهم ثم أخذهم بعد طول الحلم أخذا بقيت أخباره، ولم تندرس إلى الآن على تمادي الزمان آثاره، فكان بحيث يسأل عنه لعظم أحواله، وشدة زلازله وفظاعة أهواله، سبب عن ذلك قوله منبها على استحضار ذلك العذاب ولو بالسؤال عنه: فكيف كان نكير أي إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب في تمكن كونه وهول أمره، فقد جمع إلى التسلية غاية التهديد.