ولما كان التقدير تقريرا لذلك: فمن يدبر مصالحكم ظاهرا وباطنا، وفعل هذه الأنواع من العذاب بالمكذبين من قبلكم، عطف عليه قوله عائدا إلى الخطاب لأنه أقعد في التكبيث والتوبيخ، وأدل على أن المخاطب ليس بأهل لأن يهاب مقررا لأنه مختص بالملك: أمن ونبه على أن المدبر للأشياء لا بد أن يكون في غاية القرب والشهادة لها ليكون بصيرا برعيها، ويكون مع مزيد قربه عالي الرتبة بحيث يشار إليه، فقال مقررا لعجز العباد: هذا بإشارة الحاضر الذي وأبرز العائد لأنه لا بد من إبرازه مع الاسم بعدم صلاحه لتحمل الضمير فقال: هو جند أي عسكر وعون، وصرف القول عن الغيبة إلى الخطاب لأنه أبلغ في التقريع فقال: لكم ينصركم أي على من يقصدكم بالخسف والحصب وغيرهما، ويجوز أن يكون التقدير: ألكم إله يدبر مصالحكم غيرنا أم كان الذي عذب من كذب الرسل سوانا أم لكم جند يصار إليه ينصركم دوننا كما قال تعالى أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ولكنه أخرجه مخرج الاستفهام عن تعيين الجند تعريفا بأنهم لغاية جهلهم اعتقدوا أن لهم من أجناد الأرض أو السماء من ينصرهم وإلا لما كانوا آمنين.
[ ص: 255 ] ولما كانت المراتب متضائلة عن جنابه متكثرة جدا، قال تعالى مشيرا بالحرف والظرف إلى ذلك منبها على ظهوره سبحانه فوق كل شيء، لم يقدر أحد ولا يقدر أن ينازعه في ذلك ولا في أنه مستغرق لكل ما دونه من المراتب: من دون الرحمن إن أرسل عليكم عذابه، وأظهر ولم يضمر بعثا على استحضار ما له من شمول الرحمة، وتلويحا إلى التهديد بأنه لو قطعها [عن - ] أحد ممن أوجده عمه الغضب كله، ولذلك قال مستنتجا عنه تنبيها على أن رفع المضار وجمع المسار ليس إلا بيده لأنه المختص [بالملك- ] : إن أي ما، وأبرز الضمير تعميما وتعليقا للحكم بالوصف ومواجهة بذلك لأنه أقعد في التوبيخ فقال: الكافرون أي العريقون في الكفر وهم من يموت عليه إلا في غرور أي قد أحاط بهم فلا خلاص لهم منه وهو أنهم يعتمدون على غير معتمد.