ولما أظهروا القوتين العلمية بفهمهم القرآن، والعملية بما حصل لهم من الإذعان، أعملوا ما لهم في الدعاء إلى الله تعالى من قوة البيان، فبعد أن نزهوه سبحانه عن الشرك عموما خصوا مؤكدين في قراءة والبصريين ابن كثير بالكسر لما تقدم من أن مثل هذه السهولة لا تكاد تصدق، فقالوا عطفا على وأبي جعفر إنا سمعنا وأنه أي الشأن العظيم قال الجن: تعالى أي انتهى في العلو والارتفاع إلى حد لا يستطاع جد أي عظمة وسلطان وكمال غنى ربنا أي الموجد لنا والمحسن إلينا، وإذا كان هذا التعالي لجده فما بالك به، وكذا حكت هذه القراءة بقوله الجن ما بعد هذا إلا
وأن لو استقاموا و وأن المساجد لله و وأنه لما قام فإنه مفتوح فيها عطفا على [ ص: 468 ] الموحى به فهو في محل رفع إلا عند فإنه فتح أبي جعفر وأنه تعالى و وأنه كان يقول وأنه كان رجال ووافقهم نافع عن وأبو بكر في غير عاصم وأنه لما قام فإنهما كسراها وفتح الباقون وهم ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن الكل إلا ما صدر بالفاء على أنه معطوف على محل الجار في "به" أي صدقناه وصدقنا أنه - لا على لفظه وإلا لزم إعادة الجار عند نحاة عاصم البصرة، وقيل: عطف على لفظ الضمير في "به" على المذهب الكوفي الذي نصره أبو حيان وغير واحد من أهل اللسان.
ولما وصفوه بهذا التعالي الأعظم المستلزم للغنى المطلق والتنزه عن كل شائبة نقص، بينوه بنفي ما ينافيه بقولهم إبطالا للباطل: ما اتخذ عبر بصيغة الافتعال بيانا لموضع النقص لا تقييدا صاحبة أي زوجة ولا ولدا لأن العادة جارية بأنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة وتسبيب، ومثل ذلك لا يكون إلا لمحتاج إلى بضاع أو غيره، والحاجة لا تكون إلا من ضعف وعجز، وذلك [ ينافي -] الجد، فالمحتاج لا يصح أصلا أن يكون إلها وإن كان بغير تسبيب ومهلة، فهو عبث لأن مطلق الاختراع مغن عنه، فلم يبق إلا العبث الذي ينزه الإله عنه [ ص: 469 ] والصاحبة لا بد وأن تكون من نوع صاحبها، ومن له نوع فهو مركب تركيبا عقليا من صفة مشتركة وصفة مميزة، والولد لا بد وأن يكون جزءا منفصلا عن والده، ومن له أجزاء فهو مركب تركيبا حسيا، ومن المقطوع به أن ذلك لا يكون إلا لمحتاج، وأن الله تعالى متعال عن ذلك من تركيب حسي أو عقلي.