ولما كان من يدعو سيده وينقطع إليه عاملا للواجب عليه اللائق بأمثاله لا ينكر عليه ولا يعجب منه، إنما يعجب ممن دعا غير سيده أو مال إليه أدنى ميل فيسأل عن سببه، قال معجبا من القاسطين من الجن والإنس: وأنه أي أوحي إلي أو قال الجن لمن أطاعهم من قومهم حاكين ما رأوا من صلاته صلى الله عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه متعجبين من ذلك أن الشأن أو القصة العظيمة العجيبة لما قمت كادوا يكونون علي - هكذا كان الأصل ولكنه عبر بالعبد كما تقدم من أن من دعا سيده ولو كان ذلك السيد أحقر الموجودات لا يفعل به ذلك، فكيف إذا كان سيده مالك الملك وملك الملوك قام عبد الله أي عبد الملك الأعلى الذي له الجلال كله والجمال فلا موجود يدانيه بل كل موجود من فائض فضله يدعوه أي [ ص: 491 ] يدعو سيده دعاء عبادة من [ حيث -] كونه عبده ومن حيث كون سيده يسمع من دعاه ويجيبه.
ولما كان القاسطون أكثر الناس [ بل الناس -] كلهم في ذلك الزمان جنا وإنسا، قال مبينا لأنه يجوز على الأنبياء أن يؤذوا وينتقصوا رفعا لدرجاتهم وتسلية لوراثهم وإن كانت رتبتهم تأبى ذلك، كادوا أي قرب القاسطون من الفريقين الجن والإنس يكونون عليه أي على عبد الله لبدا أي متراكمين بعضهم على بعض من شدة ازدحامهم حتى كان ذلك جبلة لهم تعجبا مما رأوا منه من عبادته وإرادة لرده عن ذلك، وذلك أمر لا يعجب منه، وإنما العجب ما فعلوا هم من عبادتهم لغيره سبحانه وتعالى ومن تعجبهم من عبادة عبده له وإخلاصه في دعائه، وهو جمع لبد - بكسر اللام، وقرئ بضم اللام جمع لبدة بضمها، وهي [ ما -] تلبد بعضه على بعض.