ولما كان ما فعل بهم في البحر إهلاكا للرجال وإبقاء للنساء [ ص: 358 ] طبق ما فعلوا ببني إسرائيل عقبه به فقال " وإذ " أي واذكروا إذ فرقنا من الفرق وهو إفراج الواحد لحكمة إظهار التقابل ، قاله . فصارت لكم مسالك على عدد أسباطكم الحرالي بكم أي بسببكم عقب إخراجنا لكم من أسر القبط البحر قال : هو المتسع الرحب البراح مما هو ظاهر كالماء ، ومما هو باطن كالعلم الذي منه الحبر ، تشاركا بحروف الاشتقاق في المعنى . الحرالي فأنجيناكم من الإنجاء وهو الإسراع في الرفعة عن الهلاك إلى نجوة الفوز . انتهى . ومن عجائب ذلك أنه كما كان الإنجاء منه كان به . قال : وجعل البحر مفروقا بهم كأنهم [ ص: 359 ] سبب فرقه ، فكأن نجاتهم هي السبب ، وضرب الحرالي موسى عليه السلام بالعصاة هي الأمارة والعلامة التي انفلق البحر عندها بسببهم ، وجعل النجاة من بلاء فرعون تنجية لما كان على تدريج ، وجعل النجاة من البحر إنجاء لما كان وحيا في سرعة وقت . انتهى . وأغرقنا آل فرعون فيه وبه وأنتم تنظرون إسراعه إليهم في انطباقه عليهم ، وهذا مثل ما خاض رضي الله عنه البحر الملح في ناحية العلاء بن الحضرمي البحرين أو انحسر له على اختلاف الروايتين ، ومثل ما قطع رضي الله عنه الدجلة في وقائع الفرس عوما بالخيول بجميع عساكره وكانوا زيادة على ثلاثين ألفا لم يفقد منهم أحد ، وكان الفرس إذا تعب وثب فصار واقفا على ظهر الماء كأنه على صخر ، فإذا استراح عام . سعد بن أبي وقاص
قال : " وأغرقنا " من الغرق وهو البلاغ في الشيء إلى غايته بحسبه ، فإن كان في الهلاك فهو غاية وظهر معناه في الماء والبحر لبعد قعره ، وهو في الماء بمنزلة الخسف في الأرض ، والنظر التحديق للصورة من غير تحقق ولا بصر . انتهى . فذكرهم سبحانه بنعمة الإنجاء منه [ ص: 360 ] بالرحيل عنه أولا ، ثم بإغراقه الذي هو أكبر من ذلك ثانيا بما كان بعينه سبب سلامتهم واستمر يذكرهم بما تابع لهم من النعم حيث كانوا يستحقون النقم . قال الحرالي : وقررهم على نظرهم إليهم ، وفيه إشعار بفقد بصرهم لضعف بصائرهم من حيث لم يقل : وأنتم تبصرون ، ولذلك عادوا بعدها إلى أمثال ما كانوا فيه من الشك والإباء على أنبيائهم بعد ذلك ، انتهى . الحرالي