2383 - حتى استغاث بماء لا رشاء له من الأباطح في حافاته البرك مكلل بأصول النبت تنسجه
ريح خريق لضاحي مائه حبك كما استغاث بسيء فزغيطلة
خاف العيون ولم ينظر به الحشك
فدل هذا على أنه يتعدى بالحرف كما استعمله وغيره. سيبويه
قوله: أني العامة على فتح الهمزة بتقدير حذف حرف الجر أي: فاستجاب بأني. وقرأ - ويروى عن عيسى بن عمر أيضا- "إني" بكسرها. وفيها مذهبان: مذهب البصريين أنه على إضمار القول أي: فقال إني ممدكم. ومذهب الكوفيين أنها محكية باستجاب إجراء له مجرى القول لأنه بمعناه. أبي عمرو
قوله: بألف العامة على التوحيد. وقرأ الجحدري: "بآلف" بزنة أفلس. وعنه أيضا وعن بزنة أحمال. وفي الجمع بين هاتين القراءتين وقراءة الجمهور: أن تحمل قراءة الجمهور على أن المراد بالألف هم الوجوه، وباقيهم كالأتباع لهم، فلذلك لم ينص عليهم في قراءة الجمهور ونص عليهم [ ص: 567 ] في هاتين القراءتين. أو تحمل الألف على من قاتل من الملائكة دون من لم يقاتل فلا تنافي حينئذ بين القراءات. السدي
قوله: مردفين قرأ ويروى عن نافع أيضا "مردفين" بفتح الدال والباقون بكسرها. وهما واضحتان لأنه يروى في التفسير أنه كان وراء كل ملك ملك رديفا له. فقراءة الفتح تشعر بأن غيرهم أردفهم لركوبهم خلفهم، وقراءة الكسر تشعر بأن الراكب خلف صاحبه قد أردفه، فصح التعبير باسم الفاعل تارة واسم المفعول أخرى. وجعل قنبل مفعول "مردفين" يعني بالكسر محذوفا أي: مردفين أمثالهم. وجوز أن يكون معنى الإرداف المجيء بعد الأوائل أي: جعلوا ردفا للأوائل. أبو البقاء
ويطلب جواب عن كيفية الجمع بين هذه الآية وآية آل عمران، حيث قال هناك "بخمسة"، وقال هنا "بألف" والقصة واحدة. والجواب: أن هذه الألف مردفة لتلك الخمسة فيكون المجموع ستة آلاف، ويظهر هذا ويقوى في قراءة "مردفين" بكسر الدال.
وقد أنكر أن يكون الملائكة أردفت بعضها أي: ركبت خلفها غيرها من الملائكة. وقال أبو عبيد من كسر الدال احتمل وجهين، أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم كما تقول: "أردفت زيدا دابتي" فيكون المفعول الثاني محذوفا، وحذف المفعول كثير. والوجه الآخر: أن يكونوا [ ص: 568 ] جاؤوا بعد المسلمين. وقال الفارسي: "بنو فلان يردفوننا أي: يجيئون بعدنا"، وقال الأخفش: مردفين: جاؤوا بعد، وردفني وأردفني واحد". قال أبو عبيدة:" "هذا الوجه كأنه أبين لقوله تعالى: الفارسي: إذ تستغيثون ربكم ، قوله "مردفين" أي جائين بعد لاستغاثتكم. ومن فتح الدال فهم مردفون على: أردفوا الناس أي: أنزلوا بعدهم".
وقرأ بعض المكيين فيما حكاه "مردفين" بفتح الراء وكسر الدال مشددة، والأصل: مرتدفين فأدغم. وقال الخليل إن هذه القراءة مأخوذة من ردف بالتشديد الدال على التكثير، وإن التضعيف بدل من الهمزة كأفرحته وفرحته، وجوز أبو البقاء: ضم الراء إتباعا لضم الميم كقولهم: مخضم بضم الخاء، وقد قرئ بها شذوذا. الخليل بن أحمد
وقرئ "مردفين" بكسر الراء وتشديد الدال مكسورة. وكسر الراء يحتمل وجهين: إما لالتقاء الساكنين وإما للإتباع. قال "ويجوز على هذه القراءة كسر الميم إتباعا للراء، ولا أحفظه قراءة"، قلت: وكذلك الفتحة في "مردفين" في القراءة التي حكاها ابن عطية: تحتمل وجهين. أحدهما: وهو الظاهر أنها حركة نقل من التاء حين قصد إدغامها إلى الراء. [ ص: 569 ] والثاني: أنها فتحت تخفيفا، وإن كان الأصل الكسر على أصل التقاء الساكنين كما قد قرئ به. وقرئ "مردفين" بكسر الميم إتباعا لكسرة الراء. الخليل
والوجل: الفزع. وقيل: استشعار الخوف يقال منه: وجل يوجل وياجل وييجل وييجل وجلا، فهو وجل. والشوكة: السلاح كسنان الرمح والنصل والسيف، وأصلها من النبت الحديد الطرف كشوك السعدان، يقال منه: رجل شائك، فالهمزة من واو كقائم، ويجوز قلبه بتأخير عينه بعد لامه، فيقال: "شاك"، فيصير كغاز، ووزنه حينئذ فال قال زهير:
2384 - لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم
ويوصف السلاح بالشاكي كما يوصف به الرجل فيقال: رجل شاك وشاك، وسلاح شاك وشاك. فأما شاك فصحيح غير معتل، وألفه منقلبة عن عين الكلمة، ووزنه في الأصل على فعل بكسر العين، ولكن قلبت ألفا كما قالوا كبش صاف أي صوف، وكذلك شاك أي شوك.
ويحتمل أن يكون محذوف العين وأصله شائك فحذفت العين فبقي شاكا فألفه زائدة ووزنه على هذا فال. وأما شاك فمنقوص وطريقته بالقلب كما تقدم. ومن وصف السلاح بالشاك قوله:
2385 - وألبس من رضاه في طريقي سلاحا يذعر الأبطال شاكا
فهذا يحتمل أن يكون محذوف العين، وأن يكون أصله شوكا كصوف. [ ص: 570 ] ويقال أيضا: هو شاك في السلاح بتشديد الكاف من الشكة وهي السلاح أجمع، نقله الهروي والراغب.
والاستغاثة: طلب الغوث وهو النصر والعون وقيل: الاستغاثة سد الخلة وقت الحاجة. وقيل: هي الاستجارة. ويقال: غوث وغواث وغواث، والغيث من المطر والغوث من النصرة، فعلى هذا يكون "استغاث" مشتركا بينهما، ولكن الفرق بينهما في الفعل فيقال: استغثته فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث. والإرداف: الإتباع والإركاب وراءك. قال الزجاج: "أردفت الرجل إذا جئت بعده". ومنه تتبعها الرادفة ، ويقال: ردف وأردف. واختلف اللغويون فقيل: هما بمعنى واحد، وهو قول نقله عنه ابن الأعرابي وقول ثعلب، أبي زيد نقله عنه قال: "يقال: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت خلفه"، وأنشد: أبو عبيد
2386 - إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا
أي جاءت على ردفها. وقيل: بل بينهما فرق، فقال "يقال: ردفت الرجل: ركبت خلفه وأردفته: أركبته خلفي"، وهذا يناسب قول [ ص: 571 ] من يقدر مفعولا في "مردفين" بكسر الدال، وأردفته "إذا جئت بعده أيضا"، فصار أردف على هذا مشتركا بين معنيين. وقال الزجاج: شمر: "ردفت وأردفت إذا فعلت ذلك بنفسك، فأما إذا فعلتهما بغيرك فأردفت لا غير". وقوله: مردفين بفتح الدال فيه وجهان، أظهرهما: أنه صفة لألف أي أردف بعضهم لبعض. والثاني: أنه حال من ضمير المخاطبين في "يمدكم" قال "ويحتمل أن يراد بالمردفين المؤمنون أي: أردفوا بالملائكة"، وهذا نص فيما ذكرته من الوجه الثاني. وقال ابن عطية: وقرئ "مردفين" بكسر الدال وفتحها من قولك: ردفه إذا تبعه، ومنه قوله تعالى: الزمخشري: ردف لكم ، أي: ردفكم، وأردفته إياه إذا تبعته، ويقال: أردفته كقولك: اتبعته إذا جئت بعده، فلا يخلو المكسور الدال من أن يكون بمعنى متبعين أو متبعين. فإن كان بمعنى متبعين فلا يخلو من أن يكون بمعنى متبعين بعضهم بعضا، أو متبعين بعضهم لبعض، أو بمعنى متبعين إياهم المؤمنين، بمعنى يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم أو متبعين لهم يشيعونهم ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم ليكونوا على أعينهم وحفظهم، أو بمعنى متبعين أنفسهم ملائكة آخرين، أو متبعين غيرهم من الملائكة. ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران: بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، ومن قرأ "مردفين" بالفتح فهو بمعنى متبعين أو متبعين. [ ص: 572 ] قلت: وهذا الكلام على طوله شرحه أن "أتبع" بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين، و "اتبع" بالتشديد يتعدى لواحد، وأردف قد جاء بمعناهما، ومفعوله أو مفعولاه محذوف لفهم المعنى، فيقدر في كل موضع ما يليق به. إلا أن الشيخ عاب عليه قوله: "متبعين إياهم المؤمنين"، وقال: "هذا ليس من مواضع فصل الضمير بل مما يتصل وتحذف له النون، لا يقال: هم كاسون إياك ثوبا، بل كاسوك، فتصحيحه أن يقول: متبعيهم المؤمنين أو متبعين أنفسهم المؤمنين.