وهذا الذي منعه قال الشيخ: "لا نعلم خلافا في جوازه" وأما قوله: "إلا أن يشبه بالشرط" وجعله "كما" جوابا للأمر فليس بتشبيه صحيح ولا يتعقل، وللاحتجاج عليه موضع غير هذا الكتاب. قال الشيخ: وإنما يخدش هذا عندي وجود الفاء فإنها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وتبعد زيادتها". انتهى وقد تقدم ما نقلته عن مكي في أنها غير مانعة من ذلك. أبي البقاء
الخامس: أنها متعلقة بمحذوف على أنها حال من "نعمتي" والتقدير: ولأتم نعمتي مشبهة إرسالنا فيكم رسولا، أي: مشبهة نعمة الإرسال، فيكون على حذف مضاف.
[ ص: 183 ] وأما على القول بأنها للتعليل فتتعلق بما بعدها، وهو قوله: "فاذكروني" أي: اذكروني لأجل إرسالنا فيكم رسولا، وكون الكاف للتعليل واضح، وجعل بعضهم منه: "واذكروه كما هداكم"، وقول الآخر:
776 - لا تشتم الناس كما لا تشتم .. ... ... ... ...
أي: لا تشتم لامتناع الناس من شتمك.
وفي "ما" المتصلة بهذه الكاف ثلاثة أوجه، أظهرها: أنها مصدرية وقد تقدم تحريره. والثاني: أنها بمعنى الذي، والعائد محذوف، و "رسولا" بدل منه، والتقدير: كالذي أرسلناه رسولا، وهذا بعيد جدا، وأيضا فإن فيه وقوع "ما" على آحاد العقلاء وهو قول مرجوح الثالث: أنها كافة للكاف كهي في قوله:
777 - لعمرك إنني وأبا حميد كما النشوان والرجل الحليم
ولا حاجة إلى هذا، فإنه لا يصار إلى ذلك إلا حيث تعذر أن ينسبك منها ومما بعدها مصدر، كما إذا اتصلت بجملة اسمية كالبيت المتقدم. و "منكم" في محل نصب لأنه صفة لـ "رسولا" وكذلك ما بعده من الجمل، ويحتمل أن تكون الجمل بعده حالا لتخصص النكرة بوصفها بقوله: "منكم"، وأتى بهذه الصفات بصيغة المضارع لأنه يدل على التجدد والحدوث، وهو مقصود هاهنا بخلاف كونه منهم فإنه وصف ثابت له، وهنا قدم التزكية على [ ص: 184 ] التعليم، وفي دعاء إبراهيم بالعكس، والفرق أن المراد بالتزكية هنا التطهير من الكفر وكذلك فسروه، وهناك المراد بها الشهادة بأنهم خيار أزكياء وذلك متأخر عن تعلم الشرائع والعمل بها، وقوله: "ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون" بعد قوله: "ويعلمكم الكتاب والحكمة" من باب ذكر العام بعد الخاص وهو قليل بخلاف عكسه.