وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: "موص" بتشديد الصاد والباقون بتخفيفها. وهما من أوصى ووصى، وقد تقدم أنهما لغتان، إلا أن حمزة والكسائي وأبا بكر هم من جملة الذين يقرؤون "ووصى بها إبراهيم" مضعفا، وأن نافعا وابن عامر يقرآن: "أوصى" بالهمزة، فلو لم تكن القراءة سنة متبعة لا تجوز بالرأي لكان قياس قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص هناك "ووصى" بالتضعيف أن يقرآ هنا "موص" بالتضعيف، وأما نافع وابن عامر فإنهما قرآ هنا "موص" مخففا على قياس قراءتهما هناك و "أوصى" على أفعل. وكذلك حمزة والكسائي وأبو بكر قرؤوا: "ووصى" هناك بالتضعيف فقرؤوا هنا "موص" بالتضعيف على القياس.
والخوف هنا بمعنى الخشية وهو الأصل، وقيل: بمعنى العلم وهو مجاز، والعلاقة بينهما هو أن الإنسان لا يخاف شيئا حتى يعلم أنه مما يخاف منه فهو من باب التعبير عن السبب بالمسبب. ومن مجيء الخوف [ ص: 265 ] بمعنى العلم قوله تعالى: "إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، وقول أبي محجن الثقفي:
830 - إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإنني
أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
831 - تجانف عن حجر اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا
832 - هم المولى وإن جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور
833 - إني امرؤ منعت أرومة عامر ضيمي وقد جنفت علي خصوم
[ ص: 266 ] والضمير في "بينهم" عائد على الموصي والورثة، أو على الموصى لهم، أو على الورثة والموصى لهم. والظاهر عوده على الموصى لهم، إذ يدل على ذلك لفظ "الموصي". وهو نظير "وأداء إليه" [في] أن الضمير يعود للعافي لاستلزام "عفا" له، ومثله ما أنشد الفراء:
834 - وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني


