[ ص: 399 ] والضمير في "به" الظاهر عوده على القرآن من حيث هو، لا بقيد إضافته إلى الفجر. والثاني: أنها تعود على الوقت المقدر، أي: وقم وقتا من الليل فتهجد بذلك الوقت، فتكون الباء بمعنى "في".
قوله: "نافلة" فيها أوجه، أحدها: أنها مصدر، أي: تتنفل نافلة لك على الصلوات المفروضة. والثاني: أنها منصوبة ب "تهجد" لأنه في معنى تنفل، فكأنه قيل: تنفل نافلة. والنافلة، مصدر كالعاقبة والعافية. الثالث: أنها منصوبة على الحال، أي: صلاة نافلة، قاله وتكون حالا من الهاء في "به" إذا جعلتها عائدة على القرآن لا على وقت مقدر. الرابع: أنها منصوبة على المفعول بها، وهو ظاهر قول أبو البقاء فإنه قال: ويجوز أن ينتصب "نافلة" بتهجد، إذا ذهبت بذلك على معنى: صل به نافلة، أي: صل نافلة لك. الحوفي
والتهجد: ترك الهجود وهو النوم، وتفعل يأتي للسلب نحو: تحرج وتأثم، وفي الحديث: وفي الهجود خلاف بين أهل اللغة فقيل: هو النوم. قال: "كان يتحنث بغار حراء"،
[ ص: 400 ]
3095 - وبرك هجود قد أثارت مخافتي ... ... ... ...
وقال آخر: 3096 - ألا طرقتنا والرفاق هجود ... ... ... ...
3097 - ألا زارت وأهل منى هجود وليت خيالها بمنى يعود
قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما في نصب "مقاما" أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على الظرف، أي: يبعثك في مقام. الثاني: أن ينتصب بمعنى "يبعثك" لأنه في معنى يقيمك، يقال: أقيم من قبره وبعث منه، بمعنى، فهو نحو: قعد جلوسا. الثالث: أنه منصوب على الحال، أي: يبعثك ذا مقام محمود. الرابع: أنه مصدر مؤكد، وناصبه مقدر، أي: فيقوم مقاما.
و "عسى" على الأوجه الثلاثة دون الرابع يتعين فيها أن تكون [ ص: 401 ] التامة، فتكون مسندة إلى "أن" وما في حيزها؛ إذ لو كانت ناقصة على أن يكون: أن يبعثك خبرا مقدما، و "ربك" اسما مؤخرا، لزم من ذلك محذور: وهو الفصل بأجنبي بين صلة الموصول ومعمولها، فإن "مقاما" على الأوجه الثلاثة الأول منصوب ب "يبعثك" وهو صلة ل "أن" فإذا جعلت "ربك" اسمها كان أجنبيا من الصلة فلا يفصل به، وإذا جعلته فاعلا لم يكن أجنبيا فلا يبالى بالفصل به.
وأما على الوجه الرابع فيجوز أن تكون التامة والناقصة بالتقديم والتأخير لعدم المحذور; لأن "مقاما" معمول لغير الصلة، وهذا من محاسن صناعة النحو، وتقدم لك قريب من هذا في سورة إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: أفي الله شك فاطر .