[ ص: 644 ] قلت: قد قالوا ذلك في قوله تعالى: عموا وصموا كثير منهم ، وأسروا النجوى الذين ظلموا فلهذا الموضع بهما أسوة.
ثم قال الشيخ: "وأيضا فالألف والواو والنون التي تكون علامات لا ضمائر لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلا إلا بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف، أما أن يأتي بلفظ مفرد، ويطلق على جمع أو مثنى، فيحتاج في إثبات مثل ذلك إلى نقل. وأما عود الضمائر مثناة أو مجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب، على أنه يمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر، ولكن الأحوط أن لا يقال إلا بسماع".
والثاني: أن الواو ضمير. وفيما تعود عليه حينئذ أربعة أوجه، أحدها: أنها تعود على الخلق جميعهم لدلالة ذكر الفريقين - المتقين والمجرمين - عليهم، إذ هما قسماه. والثاني: أنه يعود على المتقين والمجرمين، وهذا لا تظهر مخالفته للأول أصلا لأن هذين القسمين هما الخلق كله. والثالث: أنه يعود على المتقين فقط أو المجرمين فقط، وهو تحكم. قوله: إلا من اتخذ هذا الاستثناء يترتب على عود الواو على ماذا؟ فإن قيل بأنها تعود على الخلق أو على الفريقين المذكورين أو على المتقين فقط فالاستثناء حينئذ متصل.
وفي محل المستثنى الوجهان المشهوران: إما الرفع على البدل، وإما النصب على [ ص: 645 ] أصل الاستثناء. وإن قيل: إنه يعود على المجرمين فقط كان استثناء منقطعا، وفيه حينئذ اللغتان المشهورتان: لغة الحجاز التزام النصب، ولغة تميم جوازه مع جواز البدل كالمتصل.
وجعل هذا الاستثناء من "الشفاعة" على حذف مضاف تقديره: لا يملكون الشفاعة إلا شفاعة من اتخذ، فيكون نصبه على وجهي البدل وأصل الاستثناء، نحو: "ما رأيت أحدا إلا زيدا". وقال بعضهم: إن المستثنى منه محذوف والتقدير: لا يملكون الشفاعة لأحد لمن اتخذ عند الرحمن عهدا، فحذف المستثنى منه للعلم به فهو كقول الآخر: الزمخشري
3259 - نجا سالم والنفس منه بشدقه ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي: ولم ينج شيء.وجعل الاستثناء متصلا وإن عاد الضمير في: ابن عطية لا يملكون على المجرمين فقط على أن يراد بالمجرمين الكفرة والعصاة من المسلمين. قال الشيخ: "وحمل المجرمين على الكفار والعصاة بعيد". قلت: ولا بعد فيه، وكما استبعد إطلاق المجرمين على العصاة كذلك يستبعد غيره إطلاق المتقين على العصاة، بل إطلاق المجرم على العاصي أشهر من إطلاق المتقي عليه.