والغدو : الخروج أول النهار يقال : غدا يغدو أي : خرج غدوة ، ويستعمل بمعنى صار عند بعضهم ، فيكون ناقصا يرفع الاسم وينصب الخبر ، وعليه قوله [عليه ] السلام : " " . لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا
وقوله : من أهلك متعلق بـ "غدوت " وفي "من " وجهان ، أظهرهما : أنها لابتداء الغاية أي : من بين أهلك ، قال : "وموضعه نصب تقديره : فارقت أهلك " وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب ولا تفسير معنى ، فإن المعنى على غير ما ذكر . والثاني : أنها بمعنى مع أي : مع أهلك ، وهذا لا يساعده لا لفظ ولا معنى . أبو البقاء
قوله : تبوئ الجملة يجوز أن تكون حالا من فاعل "غدوت " ، وهي [ ص: 379 ] حال مقدرة أي : قاصدا تبوئة المؤمنين ، لأن وقت الغدو ليس وقتا للتبوئة . ويحتمل أن تكون مقارنة ؛ لأن الزمان متسع .
وتبوئ أي : تنزل فهو يتعدى لمفعولين إلى أحدهما بنفسه وإلى آخر بحرف الجر ، وقد يحذف كهذه الآية . ومن عدم الحذف قوله تعالى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت وأصله من المباءة وهي المرجع . قال :
1418 - وما بوأ الرحمن بيتك منزلا بشرقي أجياد الصفا والمحرم
وقال آخر :
1419 - كم من أخ لي صالح بوأته بيدي لحدا
وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة . وقيل : "اللام في قوله " لإبراهيم "مزيدة ، فعلى هذا يكون متعديا للاثنين بنفسه " .
ومقاعد جمع "مقعد " . والمراد به هنا مكان القعود . وقعد قد يكون بمعنى صار في المثل خاصة . وقال : "وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار " . قال الشيخ : "أما إجراء " قعد "مجرى " صار " [ ص: 380 ] فقال بعض أصحابنا إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل في قولهم : " شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة " ، وكذلك نقد على الزمخشري تخريجه قوله تعالى : الزمخشري فتقعد مذموما بمعنى : فتصير ، لأنه لا يطرد إجراء قعد مجرى صار " قلت : وهذا الذي ذكره صحيح من كون "قعد " يكون بمعنى صار في غير ما أشار إليه هذا القائل ، حكى الزمخشري عن أبو عمر الزاهد أن العرب تقول : "قعد فلان أميرا بعد أن كان مأمورا " أي صار . ثم قال الشيخ : "وأما إجراء " قام "مجرى " صار "فلا أعلم أحدا عدها في أخوات " كان " ، ولا جعلها بمعنى صار ، إلا ابن الأعرابي ابن هشام الخضراوي فإنه ذكر في قول الشاعر :
1420 - على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد
قلت : وغيره من النحويين يجعلها زائدة ، وهو شاذ أيضا .
وقرأ العامة : " تبوئ "عدوه بالتضعيف . : " تبوئ "بسكون الباء عداه بالهمزة ، فهو مضارع أبوأ كأكرم ، وقرأ وعبد الله " تبوي "كقراءة يحيى بن وثاب ، إلا أنه سهل الهمزة بإبدالها ياء فصار لفظه كلفظ " تحيي "كقولهم : تقري في تقرئ . وقرأ عبد الله : " للمؤمنين "بلام الجر كقوله : عبد الله وإذ بوأنا [ ص: 381 ] لإبراهيم . وتقدم أن في هذه اللام قولين . والظاهر أنها معدية ؛ لأنه قبل التضعيف والهمزة غير متعد بنفسه . ويحتمل أن يكون قد ضمنه هنا معنى " تهيئ " ، و " ترتب " .
وقرأ الأشهب : " مقاعد القتال "بإضافتها للقتال . واللام في " للقتال "في قراءة الجمهور فيها وجهان ، أظهرهما : أنها متعلقة بـ " تبوئ "على أنها لام العلة ، والثاني : أنها متعلقة بمحذوف لأنها صفة لـ مقاعد أي : مقاعد كائنة ومهيئة للقتال ، ولا يجوز تعلقها بـ " مقاعد "وإن كانت مشتقة ، لأنها مكان والأمكنة لا تعمل .