واختار أبو عبيد قراءة البناء للفاعل قالا : لأن الفعل الوارد بعد "ما كان لكذا أن يفعل " أكثر ما يجيء منسوبا إلى الفاعل نحو : والفارسي وما كان لنفس أن تموت ما كان الله ليذر وبابه ورجحها بعضهم بقوله : ومن يغلل يأت بما غل فهذا يوافق هذه القراءة ، ولا حجة في ذلك لأنها موافقة للأخرى .
والخذل والخذلان ضد النصر ، وهو ترك من تظن به النصرة . وأصله من "خذلت الظبية ولدها " أي : تركته منفردا ، ولهذا قيل لها : خاذل . ويقال للولد المتروك أيضا : خاذل ، وهذا على النسب ، والمعنى أنها مخذولة ، قال بجير :
1485 - بجيد مغزلة أدماء خاذلة من الظباء تراعي منزلا زيما
[ ص: 467 ] ويقال له أيضا : خذول ، فعول بمعنى مفعول . قال :
1486 - خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتدي
ومنه يقال : تخاذلت رجلا فلان "قال الأعشى :
1487 - بين مغلوب تليل خده وخذول الرجل من غير كسح
ومعنى المادة : هذا الترك الخاص .
والغلول في الأصل : تدرع الخيانة وتوسطها ، والغلل : تدرع الشيء وتوسطه ، ومنه : " الغلل "للماء الجاري بين الشجر ، والغل : الحقد لكمونه في الصدر ، وتغلغل في كذا : إذا دخل فيه وتوسط ، قال :
1488 - تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور
فالغلول الذي هو الأخذ في خفية مأخوذ من هذا المعنى ، ومنه : "أغل الجازر " إذا سرق أو ترك في الإهاب شيئا من اللحم . وفرقت العرب بين الأفعال والمصادر فقالوا : غل يغل غلولا بالضم في المصدر والمضارع إذا خان ، وغل يغل غلا بالكسر فيهما . قال تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل أي حقد .
[ ص: 468 ] قوله : ومن يغلل الظاهر أن هذه الجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وإنما جيء بها للردع عن الإغلال . وزعم أنها يجوز أن تكون حالا ، ويكون التقدير : في حال علم الغال بعقوبة الغلول ، وهذا وإن كان محتملا ولكنه بعيد . و "ما " موصولة بمعنى الذي ، فالعائد محذوف أي : غله ، ويدل على ذلك الحديث : " أبو البقاء إن أحدهم يأتي بالشيء الذي أخذه على رقبته " . ويجوز أن تكون مصدرية ، وتكون على حذف مضاف أي : بإثم غلوله .
وقوله : ثم توفى هذه الجملة معطوفة على الجملة الشرطية ، وفيها إعلام أن الغال وغيره من جميع الكاسبين لا بد وأن يجازوا فيندرج الغال تحت هذا العموم أيضا فكأنه ذكر مرتين . قال : "فإن قلت : هلا قيل : " ثم يوفى ما كسب "ليتصل به . قلت : جيء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى ، وهو أثبت وأبلغ " . الزمخشري