ومعايش جمع معيشة وفيها ثلاثة مذاهب، مذهب سيبويه أن وزنها مفعلة بضم العين أو مفعلة بكسرها، فعلى الأول جعلت الضمة كسرة ونقلت إلى فاء الكلمة. وقياس قول والخليل: في هذا النحو أن يغير الحرف لا الحركة، فمعيشة عنده شاذة إذ كان ينبغي أن يقال فيها معوشة. وأما على قولنا إن أصلها معيشة بكسر العين فلا شذوذ فيها. ومذهب الأخفش أن وزنها مفعلة بفتح العين وليس بشيء. والمعيشة اسم لما يعاش به أي يحيا، وهي في الأصل مصدر لعاش يعيش عيشا وعيشة قال تعالى: الفراء في عيشة راضية [ ص: 258 ] ومعاشا: قال تعالى: وجعلنا النهار معاشا ومعيشا قال رؤبة:
2141 - إليك أشكو شدة المعيش وجهد أعوام نتفن ريشي
والعامة على "معايش" بصريح الياء. وقد خرج فروى عن خارجة "معائش" بالهمز. وقال النحويون: هذه غلط; لأنه لا يهمز عندهم إلا ما كان فيه حرف المد زائدا نحو: صحائف ومدائن، وأما "معايش" فالياء أصل لأنها من العيش. قال نافع عن الفارسي أبي عثمان: "أصل أخذ هذه القراءة عن قال: "ولم يكن يدري ما العربية؟". قلت: قد فعلت نافع". العرب مثل هذا، فهمزوا منائر ومصائب جمع منارة ومصيبة، والأصل: مناور ومصاوب. وقد غلط من قال مصائب، ويعني بذلك أنه غلط بالنسبة إلى مخالفة الجادة، وهذا كما تقدم عنه أنه قال: واعلم أن بعضهم يغلط فيقول: "إنهم أجمعون ذاهبون" قال: ومنهم من يأتي بها على الأصل فيقول: مصاوب ومناور، وهذا كما قالوا في جمع مقال ومقام: مقاوم ومقاول في رجوعهم بالعين إلى أصلها قال: وأنشد النحويون على ذلك: [ ص: 259 ] سيبويه
2142 - وإني لقوام مقاوم لم يكن جرير ولا مولى جرير يقومها
ووجه همزها أنهم شبهوا الأصلي فتوهموا أن معيشة بزنة صحيفة فهمزوها كما همزوا تيك. قالوا: ونظير ذلك في تشبيههم الأصلي بالزائد قولهم في جمع مسيل: مسلان توهموه على أنه على زنة قضيب وقضبان وقالوا في جمعه أمسلة كأنهم توهموا أنه بزنة رغيف وأرغفة، وإنما مسيل وزنه مفعل لأنه من سيلان الماء. وأنشدوا على مسيل وأمسلة قول أبي ذؤيب الهذلي:
2143 - بواد لا أنيس به يباب وأمسلة مذانبها خليف
وقال "جميع نحاة البصرة تزعم أن همزها خطأ، ولا أعلم لها وجها إلا التشبيه بصحيفة وصحائف، ولا ينبغي التعويل على هذه القراءة". الزجاج:
قلت: وهذه القراءة لم ينفرد بها بل قرأها جماعة جلة معه، فإنها منقولة عن نافع الذي قرأ على جماعة من الصحابة ابن عامر كعثمان وأبي الدرداء ومعاوية، وقد سبق ذلك في الأنعام، وقد قرأ بها قبل ظهور اللحن وهو عربي صريح. وقرأ بها أيضا وهو على جانب من الفصاحة والعلم الذي لا يدانيه إلا القليل. وقرأ بها أيضا زيد بن علي الأعمش وكفى بهما في الإتقان والضبط. وقد نقل والأعرج أن قلب هذه الياء تشبيها لها بياء صحيفة قد جاء وإن كان قليلا. [ ص: 260 ] وقوله: الفراء قليلا ما تشكرون كقوله: قليلا ما تذكرون .