وقال الشيخ: "وما ذكره من أن اللام تصد عن تعلق الباء بـ "لأقعدن" ليس حكما مجمعا عليه بل في ذلك خلاف". قلت: أما الخلاف فنعم. لكنه خلاف ضعيف لا يقيد به والشيخ نفسه قد قال عند قوله تعالى: أبو القاسم، لمن تبعك منهم لأملأن في قراءة من كسر اللام في "لمن"، إن ذلك لا يجيزه الجمهور وسيأتي لك مبينا إن شاء الله.
و "ما" تحتمل ثلاثة أوجه أظهرها: أنها مصدرية أي: فبإغوائك إياي. والثاني: أنها استفهامية يعني أنه استفهم عن السبب الذي أغواه به فقال: فبأي شيء من الأشياء أغويتني؟ ثم استأنف جملة أقسم فيها بقوله "لأقعدن" . وهذا ضعيف عند بعضهم أو ضرورة عند آخرين من حيث إن "ما" الاستفهامية إذا جرت حذفت ألفها، ولا تثبت إلا في شذوذ كقولهم: عما تسأل؟ أو ضرورة كقوله:
2147 - على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد
[ ص: 266 ] والثالث: أنها شرطية، وهو قول ولا بد من إيراد نصه قال رحمه الله: ويجوز أن تكون "ما" بتأويل الشرط، والباء من صلة الإغواء، والفاء المضمرة جواب الشرط، والتقدير: فبأي شيء أغويتني فلأقعدن لهم صراطك. فتضمر الفاء [في] جواب الشرط كما تضمرها في قولك "إلى ما أومأت إني قابله، وبما أمرت إني سامع مطيع". وهذا الذي قاله ضعيف جدا، فإنه على تقدير صحة معناه يمتنع من حيث الصناعة، فإن فاء الجزاء لا تحذف إلا في ضرورة شعر كقوله: ابن الأنباري، 2148 - من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
أي: فالله. وكان لا يجوز ذلك ضرورة أيضا، وينشد البيت المذكور: المبرد
من يفعل الخير فالرحمن يشكره . . . . . . . . . . . . . .
فعلى رأي أبي بكر يكون قوله "لأقعدن" جواب قسم محذوف، وذلك القسم المقدر وجوابه جواب الشرط، فيقدر دخول الفاء على نفس جملة القسم مع جوابها تقديره: فبما أغويتني فوالله لأقعدن.
هذا يتمم مذهبه.
وقوله: صراطك في نصبه ثلاثة أوجه أحدها: أنه منصوب على إسقاط الخافض. قال ولا اختلاف بين النحويين أن "على" [ ص: 267 ] محذوفة كقولك: "ضرب زيد الظهر والبطن" أي: على الظهر والبطن". إلا أن هذا الذي قاله الزجاج: وإن كان ظاهره الإجماع ضعيف من حيث إن حرف الجر لا يطرد حذفه، بل هو مخصوص بالضرورة أو بشذوذ كقوله: الزجاج
2149 - تمرون الديار فلم تعوجوا . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله:
2150 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لولا الأسى لقضاني
وقوله:
2151 - فبت كأن العائدات فرشنني . . . . . . . . . . . . . . . .
والثاني: أنه منصوب على الظرف والتقدير: لأقعدن لهم في صراطك. وهذا أيضا ضعيف لأن "صراطك" ظرف مكان مختص، والظرف المكاني المختص لا يصل إليه الفعل بنفسه بل بـ "في"، تقول: صليت في المسجد ونمت في السوق. ولا تقول: صليت المسجد، إلا فيما استثني في كتب النحو، وإن ورد غير ذلك كان شاذا كقولهم: "رجع أدراجه" و "ذهبت" مع "الشام" خاصة. أو ضرورة كقوله:
2152 - جزى الله بالخيرات ما فعلا بكم رفيقين قالا خيمتي أم معبد
2153 - لدن بهز الكف يعسل متنه كما عسل الطريق الثعلب
وهذا البيت أنشده النحاة على أنه ضرورة. وقد شذ ابن الطراوة عن مذهب النحاة فجعل "الصراط" و "الطريق" في هذين الموضعين مكانين مبهمين. وهذا قول مردود لأن المختص من الأمكنة ما له أقطار تحويه وحدود تحصره، والصراط والطريق من هذا القبيل. والثالث: أنه منصوب على المفعول به لأن الفعل قبله وإن كان قاصرا فقد ضمن معنى فعل متعد. والتقدير: لألزمن صراطك المستقيم بقعودي عليه.