ثم قال: "وأقول: وإنما خص بين الأيدي والخلف بحرف الابتداء الذي هو أمكن في الإتيان لأنهما أغلب ما يجيء العدو منهما فينال فرصته، وقدم بين الأيدي على الخلف لأنها الجهة التي تدل على إقدام العدو وبسالته في مواجهة قرنه غير خائف منه، والخلف جهة غدر ومخاتلة وجهالة القرن بمن يغتاله ويتطلب غرته وغفلته، وخص الأيمان والشمائل بالحرف الذي يدل على المجاوزة لأنهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العدو، وإنما يجاوز إتيانه إلى الجهة التي هي أغلب في ذلك، وقدمت الأيمان على الشمائل لأنها هي الجهة القوية في ملاقاة العدو، وبالأيمان البطش والدفع، فالقرن الذي يأتي من جهتها أبسل وأشجع إذ جاء من الجهة التي هي أقوى في الدفع، والشمائل ليست في القوة والدفع كالأيمان.
والأيمان والشمائل جمعا يمين وشمال، وهما الجارحتان وتجمعان في القلة على أفعل، قال: [ ص: 270 ]
2154 - يأتي لها من أيمن وأشمل
والشمائل يعبر بها عن الأخلاق والشيم تقول: له شمائل حسنة ويعبر عن الحسنات باليمين، وعن السيئات بالشمال، لأنهما منشأ الفعلين: الحسن والسيئ.
ويقولون: اجعلني في يمينك لا في شمالك قال:
2155 - أبثنى أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك
يكنون بذلك عن عظم المنزلة عند الشخص وخستها وقال:
2156 - رأيت بني العلات لما تضافروا يحوزون سهمي بينهم في الشمائل
والشمائل: جمع شمال بفتح الشين وهي الريح. قال امرؤ القيس:
2157 - وهبت له ريح بمختلف الصوى صبا وشمال في منازل قفال
والألف في الشمال زائدة، لذا يزاد فيها الهمزة أيضا بعد الميم فيقولون شمأل، وقبلها فيقولون شأمل، يدل على ذلك كله سقوطه في التصريف قالوا: "شملت الريح" إذا هبت شمالا.
قوله: ولا تجد أكثرهم الوجدان هنا يحتمل أن يكون بمعنى اللقاء أو بمعنى العلم أي: لا تلفي أكثرهم شاكرين، أو لا تعلم أكثرهم شاكرين، فشاكرين حال على الأول، مفعول ثان على الثاني. وهذه الجملة تحتمل وجهين أحدهما: أن تكون استئنافية أخبر اللعين بذلك لتظنيه أو لأنه علمه بطريق. ويحتمل أن تكون داخلة في حيز ما قبلها في جواب القسم، فتكون معطوفة على قوله "لأقعدن" ، أقسم على جملتين مثبتتين وأخرى منفية.