2158 - تبعتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها
فمصدر المهموز ذأم كرأس، وأما مصدر غير المهموز فسمع فيه ذام بألف، وحكى فيه ذيما كينع قال: يقال ذأمت الرجل أذأمه وذمته أذيمه ذيما وذممته أذمه ذما بمعنى. وأنشد: ابن الأنباري
2159 - وأقاموا حتى انبروا جميعا في مقام وكلهم مذءوم
والذام: العيب ومنه المثل المتقدم: "لن يعدم الحسناء ذاما" أي كل امرأة حسنة لا بد أن يكون فيها عيب ما. وقالوا: أردت أن تذيمه فمدحته أي: تعيبه فمدحته، فأبدل الحاء هاء. وقيل: الذام الاحتقار، ذأمت الرجل: أي احتقرته قاله وقيل: الذام الذم، قاله الليث. ابن قتيبة [ ص: 272 ] والجمهور على "مذءوما" بالهمز. وقرأ وابن الأنباري. أبو جعفر والأعمش "مذوما" بواو واحدة من دون همز. وهي تحتمل وجهين أحدهما: ولا ينبغي أن يعدل عنه أنه تخفيف "مذءوما" في القراءة الشهيرة بأن ألقيت حركة الهمزة على الذال الساكنة، وحذفت الهمزة على القاعدة المستقرة في تخفيف مثله، فوزن الكلمة آل إلى مفول لحذف العين. والثاني: أن هذه القراءة مأخوذة من لغة من يقول: ذمته أذيمه كبعته أبيعه، وكان من حق اسم المفعول على هذه اللغة مذيم كمبيع قالوا: إلا أنه أبدلت الواو من الياء على حد قولهم "مكول" في "مكيل" مع أنه من الكيل. ومثل هذه القراءة في احتمال الوجهين قول والزهري أمية بن أبي الصلت:
2160 - وقال لإبليس رب العباد [أن] اخرج لعينا دحيرا مذوما
أنشد على ذلك على لغة ذامه بالألف يذيمه بالياء، وليته جعله محتملا للتخفيف من لغة الهمز. الواحدي
والدحر: الطرد والإبعاد يقال: دحره يدحره دحرا ودحورا، ومنه: ويقذفون من كل جانب دحورا وقول أمية في البيت المتقدم "لعينا دحيرا" وقوله أيضا:
2161 - وبإذنه سجدوا لآدم كلهم إلا لعينا خاطئا مدحورا
وقال الآخر:
2162 - دحرت بني الحصيب إلى قديد وقد كانوا ذوي أشر وفخر
وقد تقدم إيضاح ذلك غير مرة. والثاني: أن اللام لام ابتداء، "من" موصولة و "تبعك" صلتها، وهي في محل رفع بالابتداء أيضا، و "لأملأن" جواب قسم محذوف، وذلك القسم المحذوف وجوابه في محل رفع خبرا لهذا المبتدأ، والتقدير: للذي تبعك منهم والله لأملأن جهنم منكم. فإن قلت: أين العائد من الجملة القسمية الواقعة خبرا عن المبتدأ؟ قلت: هو متضمن في قوله "منكم" لأنه لما اجتمع ضميرا غيبة وخطاب غلب الخطاب على ما عرف غير مرة.
وفتح اللام هو قراءة العامة. وقرأ في رواية عاصم أبي بكر من بعض طرقه والجحدري: "لمن" بكسرها، وخرجت على ثلاثة أوجه أحدها: - وبه قال - أنها تتعلق بقوله ابن عطية "لأملأن" فإنه قال: "لأجل من تبعك منهم لأملأن"، وظاهر هذا أنها متعلقة بالفعل بعد لام القسم. قال الشيخ: "ويمتنع ذلك على قول الجمهور أن ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبلها". والثاني: أن اللام متعلقة بالذأم والدحر، والمعنى: اخرج بهاتين الصفتين لأجل تباعك. ذكره أبو الفضل الرازي في كتاب "اللوائح على شاذ القراءة". قلت: ويمكن أن تجيء المسألة من باب الإعمال لأن كلا من [ ص: 274 ] مذءوما ومدحورا يطلب هذا الجار عند هذا القائل من حيث المعنى ويكون الإعمال للثاني كما هو مختار البصريين للحذف من الأول.
والثالث: أن يكون هذا الجار خبرا مقدما والمبتدأ محذوف تقديره: لمن تبعك منهم هذا الوعيد، ودل على قوله " هذا الوعيد " قوله "لأملأن جهنم"، لأن هذا القسم وجوابه وعيد، وهذا أراده بقوله: "بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله الزمخشري "لأملأن جهنم" على أن "لأملأن" في محل الابتداء و "لمن تبعك" خبره. قال الشيخ: فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين لأن قوله "لأملأن" جملة هي جواب قسم محذوف، من حيث كونها جملة فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة، ومن حيث كونها جوابا للقسم المحذوف يمتنع أيضا; لأنها إذ ذاك من هذه الحيثية لا موضع لها من الإعراب، ومن حيث كونها مبتدأ لها موضع من الإعراب، ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع من الإعراب لا موضع لها من الإعراب، وهو محال لأنه يلزم أن تكون في موضع رفع لا في موضع رفع، داخل عليها عامل غير داخل عليها عامل، وذلك لا يتصور.
قلت: بعد أن قال بمعنى: "لمن تبعك الوعيد وهو لأملأن". كيف يحسن أن يتردد بعد ذلك فيقال: إن أراد ظاهر كلامه، كيف يريده مع التصريح بتأويله هو بنفسه؟ وأما قوله: "على أن لأملأن في محل الابتداء" فإنما قاله لأنه دال على الوعيد الذي هو في محل الابتداء، فنسب إلى الدال ما ينسب إلى المدلول من جهة المعنى. الزمخشري
وقول الشيخ أيضا: ومن حيث كونها جوابا [ ص: 275 ] للقسم المحذوف أيضا إلى آخره كلام متحمل عليه، لأنه يريد جملة الجواب فقط البتة، إنما يريد الجملة القسمية برمتها، وإنما استغنى بذكرها عن ذكر قسيمها لأنها ملفوظ بها، وقد تقدم لك ما يشبه هذا الاعتراض الأخير عليه وجوابه. وأما قول الشيخ: "ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع من الإعراب لا موضع لها من الإعراب" إلى آخر كلامه كله شيء واحد ليس فيه معنى زائد.
وقوله تعالى: أجمعين تأكيد. واعلم أن الأكثر في أجمع وأخواته المستعملة في التأكيد إنما يؤتى بها بعد "كل" نحو: فسجد الملائكة كلهم أجمعون وفي غير الأكثر قد تجيء بدون "كل" كهذه الآية الكريمة، فإن "أجمعين" تأكيد لـ "منكم"، ونظيرها فيما ذكرت لك أيضا قوله تعالى: وإن جهنم لموعدهم أجمعين .