وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون
قوله تعالى: وإخوانهم في هذه الهاء والميم قولان .
أحدهما: أنها عائدة على المشركين; فتكون هذه الآية مقدمة على التي قبلها ، والتقدير: وأعرض عن الجاهلين ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين يمدونهم في الغي قرأ "يمدونهم" بضم الياء وكسر الميم . والباقون: بفتح الياء وضم الميم . قال نافع: أبو علي: عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد ويستحب: أمددت ، على أفعلت ، كقوله: أتمدونن بمال [النمل:36] أنما نمدهم به من مال [المؤمنون:55] وأمددناهم بفاكهة [الطور:22] ، وما كان على خلاف يجيء على: مددت; كقوله: ويمدهم في طغيانهم [البقرة: 15]; فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء ، إلا أن وجه قراءة بمنزلة نافع فبشرهم بعذاب أليم قال المفسرون: "يمدونهم في الغي" أي: يزينونه لهم ، [ ص: 311 ] ويريدون منهم لزومه; فيكون معنى الكلام: أن الذين اتقوا إذا جرهم الشيطان إلى خطيئة ، تابوا منها ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين ، يمدونهم في الغي ، هذا قول الأكثرين من العلماء . وقال بعضهم: الهاء والميم ترجع إلى الشياطين ، وقد جرى ذكرهم لقوله: "من الشيطان "فالمعنى: وإخوان الشياطين يمدونهم .
والثاني: أن الهاء والميم ترجع إلى المتقين; فالمعنى: وإخوان المتقين من المشركين ، وقيل: من الشياطين يمدونهم في الغي ، أي: يريدون من المسلمين أن يدخلوا معهم في الكفر ، ذكر هذا القول جماعة منهم فإن قيل: كيف قال: "وإخوانهم" وليسوا على دينهم؟ فالجواب: أنا إن قلنا: إنهم المشركون ، فجائز أن يكونوا إخوانهم في النسب ، أو في كونهم من بني ابن الأنباري . آدم ، أو لكونهم يظهرون النصح كالإخوان; وإن قلنا: إنهم الشياطين ، فجائز أن يكونوا لكونهم مصاحبين لهم ، والقول الأول أصح .
قوله تعالى: ثم لا يقصرون وقرأ الزهري ، "لا يقصرون" بالتشديد . قال وابن أبي عبلة: : يقال: أقصر يقصر ، وقصر يقصر . قال الزجاج : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تقصر عنهم; فعلى هذا يكون قوله: "يقصرون" من فعل الفريقين ، وهذا على القول المشهور; ويخرج على القول الثاني أن يكون هذا وصفا للإخوان فقط . ابن عباس