وهي مدنية بإجماعهم . وحكى عن الماوردي أن فيها سبع آيات مكيات ، أولها: ابن عباس وإذ يمكر بك الذين كفروا [الأنفال:30] .
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
قوله تعالى: يسألونك عن الأنفال في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها: بدر: "من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا" ، فأما المشيخة ، فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان ، فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم ، فإنا كنا لكم ردءا; فأبوا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت سورة [الأنفال] رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عن عكرمة ابن عباس .
[ ص: 317 ] والثاني: أن أصاب سيفا يوم سعد بن أبي وقاص بدر ، فقال: يا رسول الله ، هبه لي ، فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبيه . وفي رواية أخرى مصعب بن سعد قال: قتلت سعد سعد بن العاص ، وأخذت سيفه فأتيت به رسول الله ، فقال: "اذهب فاطرحه في القبض" فرجعت ، وبي ما لا يعلمه إلا الله; فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة (الأنفال) ، فقال: "اذهب فخذ سيفك" . عن
وقال السدي: اختصم وناس آخرون في ذلك السيف ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، فنزلت هذه الآية . سعد
والثالث: أن الأنفال كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس لأحد منها شيء ، فسألوه أن يعطيهم منها شيئا ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن أبي طلحة عن وفي المراد بالأنفال ستة أقوال: [ ص: 318 ] أحدها: أنها الغنائم ، رواه ابن عباس . عن عكرمة وبه قال ابن عباس ، الحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو عبيدة ، والزجاج ، في آخرين . وواحد الأنفال: نفل ، قال وابن قتيبة لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل
والثاني: أنها ما نفله رسول الله صلى الله عليه وسلم القاتل من سلب قتيله .
والثالث: أنها ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو دابة بغير قتال ، قاله وهذا والذي قبله مرويان عن عطاء . أيضا . ابن عباس
والرابع: أنه الخمس الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم ، قاله مجاهد .
والخامس: أنه أنفال السرايا ، قاله علي بن صالح بن حي . وحكي عن قال: هي السرايا التي تتقدم أمام الجيوش . الحسن
والسادس: أنها زيادات يؤثر بها الإمام بعض الجيش لما يراه من المصلحة ، ذكره . وفي "عن" قولان . الماوردي
أحدهما: أنها زائدة ، والمعنى: يسألونك الأنفال; وكذلك قرأ سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، "يسألونك الأنفال" بحذف "عن" وأبو العالية:
والثاني: أنها أصل ، والمعنى: يسألونك عن الأنفال لمن هي؟ أو عن وقد ذكرنا في سبب نزولها ما يتعلق بالقولين . وذكر أنهم إنما سألوا عن حكمها لأنها كانت حراما على الأمم قبلهم . [ ص: 319 ] فصل حكم الأنفال;
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فقال بعضهم: إنها ناسخة من وجه ، منسوخة من وجه ، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين ، فنسخ الله ذلك بهذه الآية ، وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم نسخ ذلك بقوله: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [الأنفال:41] . وقال آخرون: المراد بالأنفال شيئان .
أحدهما: ما يجعله الرسول صلى الله عليه وسلم لطائفة من شجعان العسكر ومتقدميه ، يستخرج به نصحهم ، ويحرضهم على القتال .
والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها كما روي عن قال: ابن عمر بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فغنمنا إبلا ، فأصاب كل واحد منا اثنا عشر بعيرا ، ونفلنا بعيرا بعيرا; فعلى هذا هي محكمة ، لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا .
فصل
ويجوز النفل قبل إحراز الغنيمة ، وهو أن يقول الإمام: من أصاب شيئا فهو له ، وبه قال الجمهور . فأما بعد إحرازها ، ففيه عن روايتان . أحمد فيه قولان . وهل يستحق القاتل سلب المقتول إذا لم يشرطه له الإمام؟
أحدهما: يستحقه ، وبه قال الأوزاعي ، والليث ، والشافعي .
والثاني: لا يستحقه ، ويكون غنيمة للجيش ، وبه قال أبو حنيفة ، وعن ومالك; روايتان كالقولين . [ ص: 320 ] قوله تعالى: أحمد قل الأنفال لله والرسول يحكمان فيها ما أرادا ، فاتقوا الله بترك مخالفته وأصلحوا ذات بينكم قال : معنى "ذات بينكم" حقيقة وصلكم . والبين: الوصل; كقوله: الزجاج لقد تقطع بينكم [الأنعام:94] .
ثم في المراد بالكلام قولان . أحدهما: أن يرد القوي على الضعيف ، قاله والثاني: ترك المنازعة تسليما لله ورسوله . عطاء .
قوله تعالى: وأطيعوا الله ورسوله أي: اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها .