وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب .
قوله تعالى: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم قال لما أجمعت عروة بن الزبير: قريش المسير إلى بدر ، ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا . وفي المراد بأعمالهم هاهنا ثلاثة أقوال .
أحدها: شركهم . والثاني: مسيرهم إلى بدر . والثالث: قتالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى: فلما تراءت الفئتان أي: صارتا بحيث رأت إحداهما الأخرى . [ ص: 367 ] وفي المراد بالفئتين قولان .
أحدهما: فئة المسلمين ، وفئة المشركين ، وهو قول الجمهور .
والثاني: فئة المسلمين ، وفئة الملائكة ، ذكره . الماوردي
قوله تعالى: نكص على عقبيه قال رجع من حيث جاء . وقال أبو عبيدة: رجع القهقرى . قال ابن قتيبة: كان إبليس في صف المشركين على صورة ابن السائب: سراقة ، آخذا بيد فرأى الملائكة فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث بن هشام; الحارث: أفرارا من غير قتال؟ فقال إني أرى ما لا ترون فلما هزم المشركون ، قالوا: هزم الناس سراقة ، فبلغه ذلك ، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم . قال صدق عدة الله في قوله: قتادة: إني أرى ما لا ترون ، ذكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة ، فعلم أنه لا يد له بالملائكة ، وكذب عدو الله في قوله: إني أخاف الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له بهم . وقال معناه: إني أخاف الله أن يهلكني . وقال عطاء: لما رأى نزول الملائكة ، خاف أن تكون القيامة ، فيكون انتهاء إنظاره ، فيقع به العذاب . ومعنى "نكص" رجع هاربا بخزي وذل . واختلفوا في قوله: ابن الأنباري: والله شديد العقاب هل هو ابتداء كلام ، أو تمام الحكاية عن إبليس ، على قولين .