ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم   
قوله تعالى: ( ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) روى  مسلم  في إفراده من حديث  عمر بن الخطاب  قال: لما هزم الله المشركين يوم بدر ،  وقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، استشار النبي صلى الله عليه وسلم  أبا بكر   وعمر  وعليا ،  فقال أبو بكر:  يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا . فقال رسول الله "ما ترى يا  ابن الخطاب"؟  قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ،  ولكن أرى أن تمكنني من فلان ، قريب  لعمر ،  فأضرب عنقه ، وتمكن  عليا  من عقيل  فيضرب عنقه ، وتمكن  حمزة  من أخيه فلان فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ،  ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء . فلما كان من الغد ، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو قاعد  وأبو بكر الصديق  وهما يبكيان . فقلت: يا رسول الله ، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبكي للذي عرض علي أصحابك من الفداء . لقد عرض علي عذابكم  [ ص: 380 ] أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة ، فأنزل الله  "ما كان لنبي أن يكون له أسرى"  إلى قوله "عظيم" . 
وروي عن  ابن عمر  قال: لما أشار  عمر  بقتلهم ، وفاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله تعالى "ما كان لنبي" إلى قوله "حلالا طيبا" ، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم  عمر ،  فقال "كاد يصيبنا في خلافك بلاء" . فأما الأسرى ، فهو جمع أسير ، وقد ذكرناه في (البقرة:85) والجمهور قرؤوا "أن يكون" بالياء لأن الأسرى مذكر . وقرأ  أبو عمرو   "أن تكون" قال أبو علي:  أنث على لفظ الأسرى ، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنث اللفظ . والأكثرون قرؤوا "أسرى" وكذلك "لمن في أيديكم من الأسرى" . وقرأ  أبو جعفر ،  والمفضل   "أسارى" في الموضعين ، ووافقهما  أبو عمرو ،   وأبان  في الثاني . قال  الزجاج   : والإثخان في كل شيء: قوة الشيء وشدته . يقال: قد أثخنه المرض: إذا اشتدت قوته عليه . والمعنى: حتى يبالغ في قتل أعدائه . ويجوز أن يكون المعنى: حتى يتمكن في الأرض . قال المفسرون: معنى الآية: ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه للفداء أو المن قبل الإثخان في الأرض . وكانت غزاة  [ ص: 381 ] بدر  أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن قد أثخن في الأرض بعد . 
تريدون عرض الدنيا  وهو المال . وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قد فادوا يومئذ بأربعة آلاف أربعة آلاف . وفي قوله: والله يريد الآخرة  قولان . 
أحدهما: يريد لكم الجنة ، قاله  ابن عباس .  
والثاني: يريد العمل بما يوجب ثواب الآخرة ، ذكره  الماوردي   . 
فصل 
وقد روي عن  ابن عباس ،   ومجاهد  في آ خرين: أن هذه الآية منسوخة بقوله: فإما منا بعد وإما فداء   [محمد:4] ، وليس للنسخ وجه ، لأن غزاة بدر  كانت وفي المسلمين قلة; فلما كثروا واشتد سلطانهم ، نزلت الآية الأخرى ، ويبين هذا قوله: حتى يثخن في الأرض  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					