قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين السبت: اليوم المعروف ، قاله ابن الأنباري: في كلام ومعنى السبت العرب: القطع يقال: قد سبت رأسه: إذا حلقه وقطع الشعر منه ، ويقال: نعل سبتية: إذا كانت مدبوغة بالقرظ محلوقة الشعر ، فسمي السبت سبتا ، لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، وقطع فيه بعض خلق الأرض ، أو: لأن الله تعالى أمر بني إسرائيل فيه بقطع الأعمال وتركها . قال: وقال بعضهم: سمي سبتا ، لأن الله تعالى أمرهم بالاستراحة فيه من الأعمال ، وهذا خطأ ، لأنه يعرف في كلام العرب: سبت بمعنى: استراح .
وفي صفة اعتدائهم في السبت قولان . أحدهما: أنهم أخذوا الحيتان يوم السبت ، قاله الحسن والثاني: أنهم حبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد ، وذلك أن الرجل كان يحفر الحفيرة; ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، وقد حرم الله عليه العمل يوم السبت ، فيقبل الموج بالحيتان حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت الخروج فلا يطيق ، فيأخذها يوم الأحد ، قاله ومقاتل . السدي .
[ ص: 95 ] الإشارة إلى قصة مسخهم .
روى عثمان بن عطاء عن أبيه قال: نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات . نودوا يا أهل القرية ، فانتبهت طائفة أكثر من الأولى ، ثم نودوا: يا أهل القرية ، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ، فقال الله لهم: كونوا قردة خاسئين فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون: يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برؤوسهم: بلى . قال فصار القوم قردة تعاوى ، لها أذناب بعدما كانوا رجالا ونساء . قتادة:
وفي رواية عن صار الشبان قردة ، والشيوخ خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . وقال غيره: كانوا نحوا من سبعين ألفا ، وعلى هذا القول العلماء ، غير ما روي عن قتادة: أنه قال: مسخت قلوبهم ولم تمسخ أبدانهم ، وهو قول بعيد ، قال مجاهد لم يحيوا على الأرض إلا ثلاثة أيام ، ولم يحيا مسخ في الأرض فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وزعم ابن عباس: أنهم عاشوا سبعة أيام ، وماتوا في اليوم الثامن ، وهذا كان في زمان مقاتل داود عليه السلام .
قوله تعالى: خاسئين : الخاسئ في اللغة: المبعد ، يقال للكلب اخسأ ، أي: تباعد .
قوله تعالى: فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين .
في المكنى عنها أربعة أقوال . أحدها: أنها الخطيئة ، رواه عطية عن والثاني: العقوبة ، رواه ابن عباس . عن الضحاك وقال ابن عباس . الهاء: كناية عن المسخة التي مسخوها . والثالث: أنها القرية ، والمراد أهلها ، قاله الفراء: قتادة والرابع: أنها الأمة التي مسخت ، قاله وابن قتيبة . الكسائي ، والزجاج .
وفي النكال قولان . أحدهما: أنه العقوبة ، قاله والثاني: العبرة ، قاله مقاتل . ابن قتيبة والزجاج .
قوله تعالى: لما بين يديها وما خلفها فيه ثلاثة أقوال . أحدها: لما بين يديها [ ص: 96 ] من القرى وما خلفها ، رواه عن عكرمة والثاني: لما بين يديها من الذنوب ، وما خلفها: ما عملوا بعدها ، رواه ابن عباس . عطية عن والثالث: لما بين يديها من السنين التي عملوا فيها بالمعاصي ، وما خلفها: ما كان بعدهم في بني إسرائيل لئلا يعملوا بمثل أعمالهم ، قاله ابن عباس . عطية .
وفي المتقين قولان . أحدهما: أنه عام في كل متق إلى يوم القيامة ، قاله والثاني: أن المراد بهم أمة ابن عباس . محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله عن أشياخه ، وذكره السدي عطية وسفيان .