قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون .
ذكر السبب في أمرهم بذبح البقرة .
روى عن ابن سيرين عبيدة قال: كان في بني إسرائيل رجل عقيم لا يولد له ، وله مال كثير ، وكان ابن أخيه وارثه ، فقتله واحتمله ليلا ، فأتى به حيا آخر ، فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدعيه حتى تسلحوا ، وركب بعضهم إلى بعض ، فأتوا موسى فذكروا له ذلك ، فأمرهم بذبح البقرة .
وروى عن أشياخه أن رجلا من بني إسرائيل كانت له بنت وابن أخ فقير ، فخطب إليه ابنته ، فأبى ، فغضب وقال: والله لأقتلن عمي ، ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ، ولآكلن ديته ، فأتاه فقال: قد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل ، فانطلق معي فخذ لي من تجارتهم لعلي أصيب فيها ربحا ، فخرج معه ، فلما بلغا ذلك السبط ، قتله الفتى ، ثم رجع ، فلما أصبح ، جاء كأنه يطلب عمه لا يدري أين هو ، فإذا بذلك السبط قد اجتمعوا عليه ، فأمسكهم وقال: قتلتم عمي وجعل يبكي [ ص: 97 ] وينادي: واعماه . قال السدي والذي سأل أبو العالية: موسى أن يسأل الله البيان: القاتل . وقال غيره: بل القوم اجتمعوا فسألوا موسى ، فلما أمرهم بذبح بقرة ، قالوا: أتتخذنا هزوا . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، هزؤا ، بضم الهاء والزاي والهمزة ، وقرأ والكسائي: حمزة ، وإسماعيل ، في اختياره ، وخلف عن والفراء عبد الوارث ، والمفضل: هزءا ، بإسكان الزاي . ورواه حفص بالضم من غير همز ، وحكى أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ، فمن أبو علي الفارسي العرب من يثقله ، ومنهم من يخففه ، نحو العسر واليسر .
قوله تعالى: قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
وإنما انتفى من الهزء ، لأن الهازئ جاهل لاعب ، فلما تبين لهم أن الأمر من عند الله ، قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال وإنما سألوا: ما هي ، لأنهم يعلمون أن بقرة يحيا بضرب بعضها ميت . الزجاج:
فأما الفارض فهي: المسنة ، يقال: فرضت البقرة فهي فارض: إذا أسنت . والبكر: الصغيرة التي لم تلد ، والعوان: دون المسنة ، وفوق الصغير . يقال: حرب عوان: إذا لم تكن أول حرب ، وكانت ثانية .