وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون
[ ص: 231 ] قوله تعالى : " وقال الذي نجا منهما " يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين ، وهو الساقي ، و " ادكر " أي : تذكر شأن يوسف وما وصاه به ، قال : وأصل ادكر : اذتكر ، ولكن التاء أبدلت منها الدال ، وأدغمت الذال في الدال . وقرأ الزجاج : " واذكر " بالذال المشددة . وقوله : " الحسن بعد أمة " أي : بعد حين ، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن ، وقد سبق بيانه . وقرأ ، ابن عباس " بعد أمة " أراد : بعد نسيان . والحسن
فإن قيل : هذا يدل على أن الناسي في قوله : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " هو الساقي ، ولا شك أن من قال : إن الناسي يوسف يقول : لم ينس الساقي .
فالجواب أن من قال : إن يوسف نسي ، يقول : معنى قوله : " وادكر " ذكر ، كما تقول العرب : احتلب بمعنى حلب ، واغتدى بمعنى غدا ، فلا يدل إذا على نسيان سبقه . وقد روى عن أبو صالح أنه قال : إنما لم يذكر الساقي خبر ابن عباس يوسف للملك حتى احتاج الملك إلى تأويل رؤياه ، خوفا من أن يكون ذكره ليوسف سببا لذكره الذنب الذي من أجله حبس ، ذكر هذا الجواب . ابن الأنباري
قوله تعالى : " أنا أنبئكم بتأويله " أي : من جهة يوسف " فأرسلون " أثبت الياء فيها وفي ولا تقربون [يوسف :60] أن تفندون [يوسف :94] يعقوب في الحالين ، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع ، تعظيما ، وقيل : خاطبه وخاطب أتباعه . وفي الكلام اختصار ، المعنى : فأرسلوه فأتى يوسف فقال : يا يوسف يا أيها الصديق . والصديق : الكثير الصدق ، كما يقال : فسيق ، وسكير ، وقد سبق بيانه [النساء :69] .
[ ص: 232 ] قوله تعالى : " لعلي أرجع إلى الناس " يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه . وفي قوله : " لعلهم يعلمون " قولان :
أحدهما : يعلمون تأويل رؤيا الملك . والثاني : يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك .
وذكر : في تكرير " لعلي " قولين : أحدهما : أن " لعل " الأولى متعلقة بالإفتاء . والثانية مبنية على الرجوع . وكلتاهما بمعنى " كي " . ابن الأنباري
والثاني : أن الأولى بمعنى " عسى " ، والثانية بمعنى " كي " فأعيدت لاختلاف المعنيين ، وهذا هو الجواب عن قوله : لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون [يوسف :63] . قال المفسرون : كان سيده العزيز قد مات . واشتغلت عنه امرأته . وقال بعضهم : لم يكن العزيز قد مات ، فقال يوسف للساقي : قل للملك : هذه سبع سنين مخصبات ، ومن بعدهن سبع سنين شداد ، إلا أن يحتال لهن ، فانطلق الرسول إلى الملك فأخبره . فقال له الملك : ارجع إليه فقل : له كيف يصنع ؟ فقال : " تزرعون سبع سنين دأبا " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي عن وأبو بكر " دأبا " ساكنة الهمزة ، إلا أن عاصم أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها . وروى حفص عن " دأبا " بفتح الهمزة . قال عاصم أبو علي : الأكثر في " دأب " الإسكان ، ولعل الفتح لغة ، ومعنى " دأبا " أي : زراعة متوالية على عادتكم ، والمعنى : تزرعون دائبين . فناب " دأب " عن " دائبين " . وقال : المعنى : تدأبون دأبا ، ودل على تدأبون " تزرعون " والدأب : الملازمة للشيء والعادة . الزجاج
فإن قيل : كيف حكم بعلم الغيب ، فقال : " تزرعون " ولم يقل : إن شاء الله ؟ فعنه أربعة أجوبة :
[ ص: 233 ] أحدها : أنه كان بوحي من الله عز وجل . والثاني : أنه بنى على علم ما علمه الله من التأويل الحق ، فلم يشك . والثالث : أنه أضمر " إن شاء الله " كما أضمر إخوته في قولهم : ونمير أهلنا ونحفظ أخانا [يوسف :65] فأضمروا الاستثناء في نياتهم لأنهم على غير ثقة مما وعدوا ، ذكره . والرابع : أنه كالآمر لهم ، فكأنه قال : ازرعوا . ابن الأنباري
قوله تعالى : " فذروه في سنبله " فإنه أبقى له ، وأبعد من الفساد ، والشداد : المجدبات التي تشتد على الناس . " يأكلن " أي : يذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبات ، فوصف السنين بالأكل ، وإنما يؤكل فيها ، كما يقال : ليل نائم .
قوله تعالى : " إلا قليلا مما تحصنون " أي : تحرزون وتدخرون .