قوله تعالى : " ولقد جعلنا في السماء بروجا " في البروج ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها بروج الشمس والقمر ، أي : منازلها ، قاله ابن عباس في آخرين . قال وأبو عبيدة : وأسماؤها : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . ابن قتيبة
والثاني : أنها قصور ، روي عن أيضا . وقال ابن عباس عطية : هي قصور في السماء فيها الحرس . وقال : أصل البروج : الحصون . ابن قتيبة
والثالث : أنها الكواكب ، قاله ، مجاهد ، وقتادة . قال ومقاتل : هي النجوم العظام . قال أبو صالح : سميت بروجا ، لظهورها . قتادة
قوله تعالى : " وزيناها " أي : حسناها بالكواكب .
وفي المراد بالناظرين قولان : أحدهما : أنهم المبصرون . والثاني : المعتبرون .
قوله تعالى : " وحفظناها من كل شيطان رجيم " أي : حفطناها أن يصل إليها شيطان أو يعلم من أمرها شيئا إلا استراقا ، ثم يتبعه الشهاب . والرجيم مشروح في (آل عمران :36) .
واختلف العلماء : هل كانت الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أنها لم ترم حتى بعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا المعنى : مذكور في رواية [ ص: 388 ] عن سعيد بن جبير . وقد أخرج في " الصحيحين " من حديث ابن عباس عن سعيد بن جبير قال : ابن عباس عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب " ، وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك . قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق : ويدل على أنها إنما كانت بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شعراء الزجاج العرب الذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة لم يوجد في أشعارها ذكر الكواكب المنقضة ، فلما حدثت بعد مولد نبينا صلى الله عليه وسلم استعملت الشعراء ذكرها ، فقال ذو الرمة :
كذا كوكب في إثر عفرية مسوم في سواد الليل منقضب
والثاني : أنه قد كان ذلك قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فروى في " صحيحه " [ ص: 389 ] من حديث مسلم علي بن الحسين عن قال : ابن عباس " . وروي عن بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه ، إذ رمي بنجم ، فاستنار ، فقال : " ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية " ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم ، أو يولد عظيم ، قال : " فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا إذا قضى أمرا ، سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ، ثم يستخبر أهل السماء السابعة حملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ثم يستخبر أهل كل سماء أهل سماء ، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء ، وتخطف الجن ويرمون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون أن الشياطين كانت لا تحجب عن السموات ، فلما ولد ابن عباس عيسى ، منعت من ثلاث سماوات ، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منعوا من السموات كلها . وقال : قد كان يرمى بالنجوم قبل مبعث رسول الله ، ولكنها غلظت حين بعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب الزهري ، قال : وعلى هذا وجدنا الشعر القديم ، قال ابن قتيبة بشر بن أبي خازم ، وهو جاهلي :
والعير يرهقها الغبار وجحشها ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
وقال أوس بن حجر ، وهو جاهلي :
[ ص: 390 ]
فانقض كالدريء يتبعه نقع يثور تخاله طنبا
قوله تعالى : " إلا من استرق السمع " أي : اختطف ما سمعه من كلام الملائكة . قال : استرق السمع : إذا سمع مستخفيا . " ابن فارس فأتبعه " أي : لحقه " شهاب مبين " قال : كوكب مضيء . وقيل : " مبين " بمعنى : ظاهر يراه أهل الأرض . وإنما يسترق الشيطان ما يكون من أخبار الأرض ، فأما وحي الله عز وجل ، فقد صانه عنهم . ابن قتيبة
واختلفوا ، هل يقتل الشهاب ، أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أنه يحرق ويخبل ولا يقتل ، قاله ، ابن عباس . ومقاتل
والثاني : أنه يقتل ، قاله . فعلى هذا القول ، هل يقتل الشيطان قبل أن يخبر بما سمع ، فيه قولان : الحسن
أحدهما : أنه يقتل قبل ذلك ، فعلى هذا ، لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء . قال : ولذلك انقطعت الكهانة . ابن عباس
والثاني : أنه يقتل بعد إلقائه ما سمع إلى غيره من الجن ، ولذلك يعودون إلى الاستراق ، ولو لم يصل ، لقطعوا الاستراق .