وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا .
قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية " في سبب إرادته لذلك قولان:
أحدهما: ما سبق لهم في قضائه من الشقاء . والثاني: عنادهم الأنبياء وتكذيبهم إياهم .
قوله تعالى: " أمرنا مترفيها " قرأ الأكثرون: ( أمرنا ) مخففة على وزن ( فعلنا )، وفيها ثلاثة أقوال: [ ص: 19 ]
أحدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا، هذا مذهب قال سعيد بن جبير . ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر . الزجاج:
والثاني: ( كثرنا ) يقال: أمرت الشيء وآمرته ; أي: كثرته، ومنه قولهم: مهرة مأمورة ; أي: كثيرة النتاج، يقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا: إذا كثروا، هذا قول أبي عبيدة وابن قتيبة .
والثالث: أن معنى " أمرنا " : أمرنا، يقال: أمرت الرجل، بمعنى: أمرته، والمعنى: سلطنا مترفيها بالإمارة، ذكره وروى ابن الأنباري . خارجة عن ( آمرنا ) ممدودة، مثل: ( آمنا )، وكذلك روى نافع: عن حماد بن سلمة وهي قراءة ابن كثير، ابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي رزين، والحسن، والضحاك، ويعقوب . قال وهي اللغة العالية المشهورة، ومعناه: كثرنا أيضا . وروى ابن قتيبة: ابن مجاهد أن أبا عمرو قرأ: ( أمرنا ) مشددة الميم، وهي رواية أبان عن وهي قراءة عاصم، أبي العالية، والنخعي، والجحدري . قال المعنى: جعلناهم أمراء . وقرأ ابن قتيبة: أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، ( أمرنا ) بفتح الهمزة مكسورة الميم مخففة . فأما المترفون فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون: هم الجبارون والمسلطون والملوك، وإنما خص المترفين بالذكر ; لأنهم الرؤساء، ومن عداهم تبع لهم . وابن يعمر:
قوله تعالى: ففسقوا فيها ; أي: تمردوا في كفرهم ; لأن الفسق في الكفر: الخروج إلى أفحشه . وقد شرحنا معنى الفسق في ( البقرة: 26، 197 ) .
قوله تعالى: " فحق عليها القول " قال وجب عليها العذاب . وقد ذكرنا معنى " التدمير " في ( الأعراف: 137 ) [ ص: 20 ] مقاتل:
قوله تعالى: " وكم أهلكنا من القرون " وهو جمع قرن . وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه في ( الأنعام: 6 )، وشرحنا معنى " الخبير " و " البصير " في ( البقرة ) . قال وهذه الآية تخويف لأهل مقاتل: مكة .